مدخل محافظة وادي الدواسر الجميل والأنيق، لا يعكس بأي حال من الأحوال الواقع الذي تعيشه المحافظة من حيث التنظيم والترتيب، فبدلا من كونه عنوانا لما يفترض أن يكون عليه الحال في المدينة، إلا أنه يشكل صدمة بكل ما تعنيه الكلمة لزوار المحافظة. المدخل الذي يستقبلك بمجسم جمالي عبارة عن دلة القهوة، ليس عنوانا لما بداخل المحافظة. لكنه في كل الأحوال يرمز إلى كرم أهالي وسكان الوادي، الذين مازالوا يجمعون بين البداوة والحضارة، دون أن تؤثر أي منهما على الأخرى. ويتميز المدخل بالتشجير المرتب واتساع مساحة الطريق، وإن كان يعاب عليه سوء السفلتة التي تحتاج إلى التفاتة من البلدية، حتى لا يتشوه هذا المنظر الجمالي. ويزيد من أهمية المدخل وقبل الدخول إلى المدينة «قلب المحافظة»، وجود عدد من الإدارات الحكومية على جانبيه بمبانيها الأنيقة والحديثة، وبعض المزارع التي تشتهر بالنخيل الذي ينتج أجود أنواع التمور. «عكاظ» جالت هناك، وكانت كل التوقعات بعد ذلك المدخل المتجمل، أنه سيكون عنوانا لما يفترض أن تكون عليه المحافظة من الداخل، إلا أن الصدمة كانت كبيرة، فعند دخول المدينة تشدك على جانبي الطريق التشوهات البصرية، المتمثلة في الورش والمحال التجارية البدائية، التي تكرر مناظر كانت معتادة قبل أكثر من ثلاثين عاما، في بعض المناطق والمحافظات. ولعل التساؤل يفرض نفسه: أين البلدية وبقية الجهات ذات العلاقة، ولماذا لا تعمل على تحسين الواجهات أسوة ببقية المحافظات؟. مشاهدات عديدة فرضت نفسها للتدوين، قبل طرحها أمام رئيس البلدية، لكن المذكرة امتلأت بالملاحظات قبل دخول مركز المحافظة؛ فالشوارع تعاني من الحفر الوعائية، والمساحات في الجزر الوسطية بلا تشجير، والميادين بلا مجسمات جمالية، كأنها اقتصرت على المداخل فقط، والنظافة تكاد تكون شبه معدومة في بعض الأحياء التي جاءت ضمن جولتنا، ومحطات الوقود قديمة جدا وبمعدات متهالكة، والرصف يتم بطرق بدائية. عشوائية «قلب» العنوان الذي يختصر هذه المشاهدات المؤلمة، هو أن «العشوائية تسيطر على التخطيط»، في وقت يتمنى الأهالي أن ينتصر التخطيط على العشوائية، ما يعني أن الوضع يحتاج إلى تحرك حقيقي وجاد، بدءا من المحافظ ومرورا برئيس البلدية والمجلس البلدي وانتهاء بالأهالي، لتغيير جلد قلب محافظة وادي الدواسر، حتى لا تبقى على هذا الحال تغرد خارج سرب التنظيم والتخطيط. ومع ساعات باكرة من الصباح، بدأت الجولة في مركز المحافظة «المدينة»، لعل وعسى أن يحضر ما يخفف الانطباع السلبي السابق. وهناك لم تتواجد سوى مبان رسمية لإدارات حكومية، وللأسف الشديد لم تحقق الحد الأدنى مما تحتاجه المحافظة من مشاريع تنموية، ولمسات جمالية. ومن التقتهم «عكاظ»، أبدوا استغرابهم من تراجع مستوى ما يقدم لهم من خدمات، رغم ما تنفقه الدولة من مئات الملايين بهدف التطوير وتجويد الخدمات، لينعم بها المواطن في وادي الدواسر أسوة ببقية أرجاء الوطن. البحث عن مستشفى رديف وأبدى عدد من سكان وادي الدواسر تذمرهم من تدني مستوى الخدمات الصحية، وقالوا إن مستشفى وادي الدواسر العام يعاني من نقص حاد في الأطباء والاستشاريين؛ ما أثر على ما يقدم للمواطن والمقيم، إضافة إلى عدم وجود استشاريين لبعض التخصصات. وطالب الأهالي بضرورة دعم وزارة الصحة لمحافظة وادي الدواسر بمستشفى رديف، في ظل اتساع رقعة المحافظة وزيادة تعداد السكان في السنوات الأخيرة، كما طالبوا بإنشاء بلدية شرق الوادي، وتعيين قاض مستمر في محكمة النويعمية. للإجابة على التساؤلات كان لا بد من مواجهة الجهات ذات العلاقة، لكن رئيس البلدية كان خارج المحافظة، فذهبنا إلى المستشفى العام للحديث مع مديره، وعلمنا من مساعده للشؤون المالية والإدارية ياسر الشملان أنه غير موجود في المستشفى، وطلبنا من الشملان القيام بجولة والإجابة على مطالب الأهالي والسكان، إلا أنه اعتذر بحجة أنه غير مصرح له الحديث لوسائل الإعلام. المحافظ: الواجهة ليست ملكا لأحد توجهنا إلى محافظ وادي الدواسر أحمد بن دخيل المنيفي، لطرح ما في المذكرة من أسئلة وملاحظات مدونة منذ بداية الوصول إلى الوادي، فقال بعد استقبال حافل: «أنا على استعداد تام للإجابة على جميع الأسئلة أو الملاحظات»، فكان السؤال المباشر: «مدخلكم أنيق ومدينتكم كئيبة تعاني من العشوائية، ما هي الأسباب؟». كأن المحافظ كان ينتظر السؤال؛ فأجاب دون تردد: «مدخل المحافظة الشرقي لايزال تحت التحسينات، ويحتاج إلى لمسات جديدة، وهناك تصاميم من أجل أن يكون أفضل مما هو عليه حاليا. أما بالنسبة لداخل المحافظة، فالورش كانت على الخط العام، وبالتنسيق مع البلدية تم تحديد مواقع لها، وتم نقلها إليها، لأن الوضع لا شك يشوه منظر الشارع العام، إضافة إلى أنه سبق توجيه البلدية من قبلنا بضرورة توحيد الواجهات على الطريق الرئيسي بنمط معين وموحد؛ لأن الواجهات المطلة على الشارع ليست ملكا لأصحاب المحال التجارية، وإنما حق للجميع ومن حقهم المطالبة بتحسنها، وقد بدأ العمل فعليا في هذه التحسينات، كما أن توجيهات صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، صدرت بنزع ملكية بعض المواقع على الطريق، ونحن بصدد تسليم شيكات التعويض، وقبل فترة صدرت تعليمات لشركة الكهرباء بفصل التيار عن المحال الواقعة على الطريق، كل هذه الخطوات لا شك ستجعل الطريق يلبس ثوبا جديدا ومغايرا لما عليه حاليا، أما ما يتعلق بالسفلتة والرصف فالعمل قائم من قبل البلدية على إعادتها للمواقع التي سبق توسعتها، وما تبقى سيتم قريبا بعد أن اعتمدت لها المبالغ المالية، وهناك أيضا عمليات تشجير لبعض الشوارع من قبل البلدية». طريق دائري.. ومعالجات سريعة عن الخطوات المستقبلية لإيجاد أكثر من مسار تنموي في المحافظة، قال المنيفي: «هناك طريق دائري سيتجه إلى منطقة عسير دون المرور بالمحافظة، وهذا مشروع مهم جدا، ولن يؤثر على الحركة الاقتصادية داخل المحافظة، وسيسهل كثيرا على المسافرين ويسهم في إقامة عدد من المشاريع الاقتصادية على جانبيه»، وطمأن الأهالي والسكان بأن المحافظة ستشهد في القريب العاجل الكثير من المشاريع التنموية، لإسعادهم وراحتهم وتلبية أهم متطلباتهم. ورغم الاستياء بعد تلمس معاناة المحافظة من العشوائية وانعدام التنظيم، والخروج بذلك الانطباع الأولي السلبي، إلا أن اللقاء بمحافظ وادي الدواسر أزال الكثير من تلك المشاعر، حينما أكد ل«عكاظ» أن المعالجات ستكون سريعة وفي مستوى الآمال والتطلعات. وعدنا من حيث أتينا، بعد أن ودعنا المدخل الذي استقبلنا بروعة جماله التي لا تعكس واقع حال محافظة تئن وتشتكي من وطأة العشوائية. لتكون المحطة التالية إلى محافظة السليل، التي تبعد عن قلب وادي الدواسر 80 كلم تقريبا، على أمل أن لا تكون نسخة شبيهة لما شهدنا.