تحدث كثيرون قبلي عن فقيدنا الغالي صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن عبدالعزيز -رحمه الله- الذي وافته المنية قبل عدة أيام، وذكروا مناصبه الرسمية التي تولاها، والمهمات التي أسندت إليه في عهد ملوك المملكة والخدمات التي قدمها لبلادنا الكريمة، والتي كان فيها جنديا مثاليا ومسؤولا كبيرا في خدمة الوطن ورجلا فذا استفادت من حكمته ورأيه ومشورته الدولة وأجهزتها. إنني لم ألتق بالأمير الراحل طوال حياتي إلا لقاء عفويا عابرا في العاصمة الألمانية برلين. وذلك قبل أكثر من عقد من الزمان.. وكان لقاء مؤثرا وجميلا بالنسبة لي.. وشد انتباهي مباشرة، وقبل كل شيء تلك الابتسامة التي تعلو وجهه البشوش، ومحياه المشرق، وهدوؤه الجميل الأخاذ. كان ذلك اللقاء لقاء قصيرا لم يخرج عن حديث وشكر من جانبي استقبله بابتسامته الجميلة ومددت يدي مصافحا ومودعا، فشد -رحمه الله- يدي عند السلام عليه للوداع وأمسكها، ولكنه فاجأني قائلا: سنأتي إلى لندن.. لا بد أن نراك في لندن!! وشغل بالي هذا القول في ذلك المساء حين خرجت، وفكرت في معناه... وجاءت لندن... ولم يجئ لقاؤنا فيها مع سموه للأسف الشديد. ولكن أدركت من بعد أن حديثه -رحمه الله- كان عجيبا فقد كان أشبه شيٍء بنبوءة تحققت، وذلك أن الله تعالى شاء أن لا نلتقي في لندن، ولكني لقيت وشرفت وسعدت بخدمة بلادي بوصفي أحد الموظفين في سفارة خادم الحرمين الشريفين في لندن، وتم من بعد تعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف سفيرا في لندن، فكأن حدس الأمير نواف -رحمه الله- ورؤيته النافذة قد وقعت وتحققت بأن نلتقي في لندن من خلال ابنه. وكل ما سمعته عن الأمير نواف من فضل ودماثة خلقٍ وبشاشة نفس.. رأيته مجسدا أمامي في ابنه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف وهذه حقيقة يعرفها من عرف هذا الرجل وعمل معه. ليس كثير الحديث، ولكنه عميق التفكير، ولديه توازن عقلي يندر مثله حتى في أصعب الظروف وأكثرها انفعالا، ويمتاز بنفاذ نظرة وحسن خلقٍ شهد به له كل من عرفه من الموظفين والمبتعثين والزائرين، بل حتى الأجانب الذين أعرفهم وتعاملوا مع سفارتنا الكريمة كان يشدهم حسن خلق الأمير محمد بن نواف قبل كل شيء، وهو ما يعطي انطباعا جميلا عن السفارة والمملكة وعن الشعب السعودي كله. وحسن الخلق نعمة من نعم الله الكبرى التي يهبها الله لمن يصطفيهم من عباده، ويتميزون بالصبر وحضور المعاني الإسلامية في تفكيرهم.. كم مر بنا من موقف صعب خلال ظروف العمل المختلفة وما نواجهه من تحديات، وفاجأنا الأمير بنفاذ نظرته وعمق تفكيره لنرى المخرج من المأزق في جهة أخرى لم ندركها أو نعرفها... لم أعرف الأمير نواف بن عبدالعزيز -رحمه الله- معرفة تتعدى ذلك اللقاء الجميل في برلين.. وتلك المعاني التي سمعتها عن الأمير نواف -رحمه الله- تجسدت لي من خلال ابنه الأمير محمد، وأذكر أن شيخا كبير السن جاء إلى بريطانيا للعلاج وزار السفارة، ولقيته فيها صدفة فأثنى كثيرا وقال خيرا، ثم قال: سبحان الله هذا الابن مثل أبيه، بشوش ويغمرك بحسن خلقه ويأسرك بطيب نفسه.. فجدد لي هذا القول من هذا الرجل ما استقر في نفسي، وما خبرته مباشرة عن الأمير الابن وما سمعته عن الأمير الأب -رحمه الله. رحم الله الأمير نواف بن عبدالعزيز وغفر له وأسكنه فسيح جنانه ورزق أبناءه الصبر وعظيم الأجر، وخلف علينا في بلادنا الكريمة خلفا جميلا. وجزاه عنا خير الجزاء. وعزاؤنا الصادق ودعواتنا المستمرة الصادقة لوالد الجميع سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز سدده الله وحفظه، وللأسرة المالكة الكريمة حفظهم الله ورعاهم.