أصبح مفهوم الاعتراف – وعي الذات والآخر من أهم المفاهيم التي تبناها الفكر الفلسفي الغربي في النواحي السياسية الاجتماعية والأخلاقية، وتعد نظرية الفيلسوف الألماني أكسل هونيث أكثرها تعمقا وإلهاما. يرى هونيث الذي استوحى من فلسفة هيغل في تطويره لنظريته النقدية أن معرفة أو تحقيق الذات يرتبط بمسألة الاعتراف المتبادل بين الناس وذلك ضمن ثلاثة أشكال أساسية هي: الحب، الحق، والتضامن. يعتبر الحب الحالة الأولى إذ يربط الفرد بجماعة محددة تسهم في تحقيق وجوده الفردي ومشاركته في الحياة الاجتماعية. أما الحق فهو ما يتعلق بالحماية والاستقلالية القانونية. فيما يشكل التضامن الأساس الذي يبني إحساس الفرد بقدرته على الاندماج في مجتمع يقدر مميزاته وذاتيته. هذه الذاتية التي تتعرض للخلخلة نتيجة زوال الثقة بالنفس أو فقدان احترام الذات والذي بدوره يؤثر سلبا على العلاقة مع الآخر ومع المجتمع. وبالنظر إلى هذه المفاهيم يتبدى لي بوضوح بعض المسببات لما نراه من وعي مغلوط للذات ومحاولات إقصاء الآخر الذي يثقل مجتمعاتنا. فعلاقاتنا الأسرية لا توفر الجو الملائم للنمو الذاتي بالرغم من الأواصر العائلية التي ما تزال متينة بطريقة ما. إحساسنا بالحماية القانونية يكاد يكون شكليا، وذاك الشعور بالفعالية والتقدير أصبح متعلقا بالكم وبما هو خارجي. والأكثر مدعاة للقلق هو غياب العقل النقدي وتشتت البوصلة: نحن نعلم ولا نعلم، نرى ولا نرى، نتقدم في اللامكان... وعي الذات والآخر: إشكاليتنا المراوغة ، وجهتنا ومواجهتنا الملحة.