أحسب أن من حضر وأنصت إلى خطبة الجمعة الماضية من خلال منبر البيت الحرام الذي تصدى لها ولأول مرة شيخنا الشاب الذي يتلألأ إيمانا وثقافة وفكرا.. أعني الشيخ الدكتور خالد الغامدي فقد تل مستمعيه ومشاهديه من أعماقهم.. وانسابت كلماته رقراقة إلى أذهان ووجدانات من كان حاضرا أو من كان خلف أجهزة التلفاز.. فقد كان حضوره رائعا استطاع أن يشد كل من رآه إلى الموضوعية والبلاغة والقدرة التي تجلت من خلال إحاطته بالموضوع.. الذي استطاع وبجدارة أن يغطيه من كافة جوانبه.. وتلك لعمري هي المقومات التي من شأنها أن تعزز الثقة في الرسالة الإيمانية وفي الخطاب الديني.. خاصة من أبرز وأهم منابر الخطابة بالكون.. أعني منبر المسجد الحرام الذي هو تاريخ.. يكفيه شرفا محمد بن عبدالله رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ومن بعده الخلفاء الراشدون وجهابذة وفقهاء وأعلام تناوبوا على الوقوف على هذا المنبر.. يؤدون رسالة السماء ويرفعون من قيمة هذه الرسالة في تقويم الحراك الاجتماعي.. خاصة في هذه الأيام العجاف. الشيخ السديس الرجل الذى ملأ مكانه: بعيدا عن المبالغة أو المغالاة وخروجا من ساحة المجاملات.. فإني وسبقني ومعي وسيليني من يرصدون هذا الحراك الكبير العامر بالنتاج المثمر المجدي.. إذ إن الجميع يشهد بأنه منذ آلت الأمور في شؤون الحرمين إلى الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس فقد برز إلى الآفاق ملامح جدية أهداف الرجل الذي أخذ يؤسس لثقافة إدارية جديدة غير مسبوقة.. وتصدى لتكريس الجهد والمال والوقت والقدرات الذهنية لتعزيز كل مقومات النهوض برسالة الحرمين الشريفين.. ونجح الرجل في اقتدار.. إذ عني باختيار الكفاءات الشابة المؤهلة في مجال الأذان والإمامة والخطابة.. واستطاع بنجاح وفي نزاهة أن يعزز هذه القدرات.. بكفاءات شهد لها الجميع بعلو هاماتها.. في مجال القراءة الشيخ الدكتور بندر بليلة والشيخ ياسر الدوسري والشيخ محمد أيوب والشيخ أحمد طالب بن حميد والشيخ خالد المهنا والشيخ عبدالله البعيجان والشيخ الغزاوي والشيخ حسن بخاري.. وفي مجال الخطابة أفسح المجال رحبا أمام الدكتور خالد الغامدي الذي نجح وباقتدار في أن يكون أهلا لأن يقف خطيبا في هذا الرحاب المقدس. الطفل الكردي المأساة على جبين الكون: أريد أن أقول إننا في هذه الأيام.. الأيام العجاف التي غاب فيها الوعي الإنساني عن الوجود.. أو غيب باقتدار في خضم الطغمة الفاسدة التي مسحت بوقاحة وخسة ما بقي من آثار أصبحت معالم أخشى أن تكون كالأطلال البالية.. فالعالم.. هذا العالم الذي يتضاءل إلى درجة الاحتقار والهلامية.. أصبحت المفاهيم لديه وخاصة عند الساسة الكبار تلفها الضبابية.. أصبح الكيل بمكيالين هو الصبغة السائدة.. أقول والألم يعتصر كل الأفئدة الشريفة والمخلصة.. إنه بارك الله في هذا الطفل الكردي الذي انكفأ على وجهه محتقرا هذا العالم الذي غرق وسط دوامات عنيفة من الحقد والسوداوية وطغيان المادة على القيم الأخلاقية والروحية.. ولعل أبرز دليل هو المشهد السوري الذي جسد على مسرح الحياة مدى شراسة الإنسان تجاه أخيه الإنسان.. إذ لم تعد أخوة الوطن والتراب هي الوحدة أو الشعار.. وإنما أصبحت الهوية الطائفية هي التي تحكم النظرة إلى الآخر.. وكل هذه الأشلاء وكل هذا الدمار وكل هذه الجثث والخراب لم تحرك ساكنا في ضمير العالم.. وبارك الله في هذا الصبي الذي فاضتت روحه إلى العلي القدير الجبار تشكو ظلم الإنسان وقسوته وصلفه وكأنما هو يعيش في غابة من الوحوش والبربرية.. أقول بارك الله في هذا الغلام حيا وميتا إذ أيقظ موات الضمير العالمي.. ولكن المأساة تذهب إلى عمق أبعد فالجميع أخذ يزبد ويرعد.. ولكن مازال السرطان الأسدي ومن خلفه إيران وروسيا هؤلاء الطغاة.. إن العالم يمارس الزيف والكذب والنفاق.. وإلا فلماذا صمت هذه السنوات التي مرت على هذه المأساة والجلاد مازال على كرسيه.. بئس هذا العالم الذي يرى الظلم ولا يحرك ساكنا ولا يذهب إلى الجذور.. والجذور باقية وحسبي الله ونعم الوكيل.