باستمرار يطل علينا من يحسب أنه اكتشف سرا عجزت عقول الملايين عن اكتشافه يتمثل في توهمه أن شكل مبنى عام له دلالة لا أخلاقية، أو أن اسم سلعة عالمية أو علامتها التجارية تمثل معنى خفيا يناهض الإسلام، بالإضافة للحديث باستمرار عن مؤامرة عالمية وأن الكل يضطهده ويتآمر ضده تبعا لتلك المؤامرة ويتوهم من ينشر هذة المقاطع أنه نصر الإسلام بذلك وأنها تعبر عن عظم تقواه وذكائه بينما في الواقع تجعله موضوعا للسخرية، والحقيقة أن مثل هذا السلوك يعبر عن معاناة الشخص من مرض عقلي نفسي يسمى «جنون الارتياب - بارانويا» يجعله يفسر كل حركة وسكنة وفق تلك القناعات الواهمة ومنها رفضه للمعطيات الواقعية التي تبين عدم صحة قناعاته، وهو يشكك في نوايا الآخرين ودوافعهم والتي يعتبر أن وراءها طوية خفية خبيثة تتبع المؤامرة الكبرى، وقد تتطور حالته لأن يرى هلاوس سمعية وبصرية يعتبرها رؤى روحية تصب في كفة ترسيخ قناعاته، وحالته لا تبدو واضحة كمرض عقلي لأن صاحبها لا يبدو عليه الانفصال عن الواقع كما في حالة مريض الانفصام والذهان فهو يبقى مدركا للواقع لكنه يفسره بشكل غير صحيح وفق قناعاته الهوسية، وعندما تتبناها جماعة أو مجتمع يصبح لكامل الجماعة والمجتمع أنماط «جنون الارتياب - البارانويا» العقلية والنفسية فتفسد الطيبة الفطرية التي تكون للناس في المجتمعات العادية التي لا تتبع ثقافة «جنون الارتياب - بارانويا» فتصبح من صفاتها؛ سوء الظن والشك والارتياب والتربص والسوداوية والانغلاق والعدوانية والبغضاء والمكابرة على الاعتراف بالخطأ والواقع والشعور بالاضطهاد الدائم «عقلية الضحية» ومسكنتها وحقدها والسلوك الدفاعي الوقائي الاستباقي وإسقاط الظلال المظلمة للأنا على الآخرين وتضخم غرور الأنا، أي توهم أهمية استثنائية للأنا سواء الأنا الفردية أو الجماعية، وتتقولب العقلية والنفسية الفردية والجماعية عليها وتغلب على مؤلفات أهلها التي يصبح محورها هو زعم أن كل معطى من معطيات الواقع والتطور الحضاري والاجتماعي والثقافي والعلمي والمعرفي والفكري والحقوقي هو جزء من تلك المؤامرة الكبرى التي يتم التحذير منها، ولهذا تبدو ردات أفعال الفرد والجماعة على أي بادرة حسن نية من قبل الآخرين صادمة وغير متناسبة مع الفعل، لأن الفرد والجماعة يفسرون بادرة حسن النية على أنها بمثابة طعم أو واجهة للتضليل عن النية الحقيقية الشريرة لصاحب بادرة حسن النية تلك، والخطوة الأولى والأهم لعلاج هذة الحالة المرضية أن يعي صاحبها أن أنماط منظوره الوسواسي الهوسي هي أنماط مرضية وليست تقوى ولا ذكاء.