«هبوط النفط لن يكون له تأثير ملحوظ وكبير على اقتصاد السعودية».. العبارة السابقة ليست لي ولكنها «منسوبة» لمعالي وزير البترول المهندس علي النعيمي الذي ذكرها في تصريح صحفي منشور يوم 21 ديسمبر 2014، أما في الثاني من يونيو الماضي فقد صرح معاليه قائلا: «أنا لست قلقا لاحتمال زيادة إمدادات النفط العراقية أو الإيرانية في وقت لاحق من هذا العام»!، العبارة السابقة كانت جزءا من تصريح مهم؛ توقع فيه الوزير أيضا أن: «ينتعش الطلب على النفط في النصف الثاني من العام الحالي»؛ وللأسف فإن ذلك لم يتحقق، وإنما حدث العكس. وعلى الرغم من أن الأحداث المهمة التي شهدتها سوق النفط الدولية منذ ذلك الحين قد خالفت (بعض) آراء وتوقعات المهندس النعيمي، إلا أن الأكيد هو أن معالي وزير البترول هو أحد خبراء صناعة النفط، ليس في المملكة فقط، بل وعلى المستوى الدولي أيضا، كما أن لتصريحاته المقتضبة عادة أصداء عالمية واسعة؛ تؤثر سلبا أو إيجابا على أسعار الخام، وذلك بحكم منصبه كوزير للبترول، في أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم؛ منذ أكثر من 20 عاما. ومع التقدير لرؤية وزير البترول؛ التي ربما عبر عنها في ظروف جيوسياسية ومالية تختلف عن الأوضاع الراهنة التي تمر بها المملكة والمنطقة الآن، فإن من الطبيعي أن يتأثر اقتصادنا بانخفاض سعر النفط، كيف لا ودخل البترول يشكل 89% من ميزانيتنا الحالية؟!، والمؤكد هو أن اختلاف السيناريوهات المتعلقة بسوق البترول لا يتعلق بحتمية الضرر الناجم عن تراجع إيراداتنا النفطية بقدر ما يدور حول أمرين هما: درجة تأثرنا بتلك المتغيرات، وطول الفترة التي يمكن لاقتصادنا أن يتحمل فيها انخفاض الأسعار؛ أخذا في الاعتبار، تصاعد نفقات تعزيز الأمن ومواجهة الإرهاب، ومشاريع التنمية، ودعم الدول الشقيقة، ومما سيفاقم الوضع استئناف إيران تصدير نفطها، ربما خلال الربع الأول من العام القادم؛ على أبعد تقدير، وهو ما أدى لتراجع كبير على سعر البترول بمجرد التوقيع على اتفاق 5+1، ولعل احمرار مؤشر سوق أسهمنا لجلسات تداول متتالية، وبوتيرة متسارعة، هو من أبرز المؤشرات على ارتباط اقتصادنا بسعر البترول، إضافة لترشيد الابتعاث، وتأجيل بعض المشروعات التي أمكن تأجيلها. وفي حين قد نفهم أسباب التقارير والتحليلات الخارجية التي تتوقع المزيد من التراجع على أسعار البترول، فإن من غير المفهوم انقسام آراء الاقتصاديين السعوديين حول الموضوع، حيث يرى بعضهم أن أوضاعنا المالية تتجه نحو سيناريو متشائم؛ بسبب تزايد إنفاقنا وانخفاض دخلنا ولجوئنا للسحب من الاحتياطيات والاقتراض من البنوك المحلية، في حين يرى الفريق الآخر سيناريو متفائلا؛ مفاده أن وضعنا المالي لا يزال مطمئنا!؛ بسبب ضخامة الأرصدة النقدية التي تمتلكها الدولة؛ حتى على الرغم من السحب منها، إضافة لاحتمال صعود أسعار البترول مرة أخرى!، ولو دمجنا الرأيين. معا، فسوف نخرج بسيناريو متشائل أو حتى متفائم!!. وبعيدا عن مدى صوابية السيناريوهين السابقين، فالأكيد هو أن بلادنا تمر بظرف استثنائي، وهو ما يتطلب - في تقديري - ضرورة اتخاذنا إجراءات مالية ترشيدية، وربما إجراء تغيير مهم على سياستنا النفطية، لأن استمرار تغطية العجز بالسحب من الاحتياطيات سيؤدي إلى تآكلها، خلال فترة قد لا تتجاوز بضع سنوات، في حين سيترتب على توالي إصدار سندات الخزانة ارتفاع حجم الدين العام، الذي استلزم منا أكثر من 10 سنوات لتخفيضه، فضلا عن إمكانية تسببه في زيادة الأعباء المستقبلية على ميزانيتنا التي ستشهد المزيد من العجز. وفي رأيي فإن الحل (الآني) قد يكمن في اتخاذنا جملة من الإجراءات العاجلة؛ تستهدف تحقيق 3 أهداف، هي: وقف التراجع على أسعار البترول، وعدم السحب من الاحتياطيات، والاكتفاء بما تم إصداره من أدوات الدين العام؛ إلا في حالات الضرورة القصوى، خصوصا أن ما تم سحبه من احتياطياتنا حتى الآن بلغ 244 مليار ريال، وما تم اقتراضه بلغ 35 مليار ريال، كما قد يكون من المفيد البدء بمراجعة وترشيد بعض أوجه الدعم؛ الذي يكلف الخزينة العامة. ونظرا للارتباط الوثيق بين قوة مركزنا المالي وسعر الخام، فقد يكون من المهم جدا الآن دراسة كافة الخيارات المتعلقة بسياستنا البترولية، وعدم استبعاد أي بديل منها؛ بما فيها خفض إنتاجنا النفطي، ولو مؤقتا. تبقى الإشارة إلى أنني أدرك بأن تصوري أعلاه هو مجرد اجتهاد، وأن مثل هذه الطروحات والمقترحات لم تغب بالتأكيد عن أذهان كبار المسؤولين في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، لا سيما أن المعلومات والأرقام التي بين أيديهم تتيح لهم فهما أفضل للمخاطر والتحديات الاقتصادية، ودراسة أكفأ للخيارات والسياسات البترولية، وتوقع أعمق للنتائج والتداعيات لأي قرارات مهمة قد نضطر لاتخاذها، مع الأمل بأن يبادر كبار مسؤولينا الماليين والنفطيين إلى التحدث للرأي العام عن الصورة الحالية، والتوقعات المستقبلية لاقتصادنا ووضعنا المالي؛ بدون تهويل أو مبالغة، ولا تخفيف أو تجميل!، كما أتوجه أخيرا بسؤال إلى معالي وزير البترول متسائلا: هل ما زلت مطمئنا يا معالي الوزير؟.