دعا اقتصاديون إلى ضرورة إعادة هيكلة أولويات الإنفاق والمشاريع في المملكة لمواجهة الانخفاض في عائدات النفط التي تمثل 85% من الميزانية العامة للدولة، كما طالبوا في الوقت ذاته بضرورة العمل على تنمية الإيرادات من خلال التركيز على زيادة الصادرات غير النفطية وصناعة الخدمات والتوسع في الصناعة وتنويع القاعدة الانتاجية. في البداية قال الاقتصادي الدكتور عبدالعزيز داغستاني إن الانخفاض الراهن في أسعار النفط بأكثر من 50% كان متوقعا، بعد فترة انتعاش امتدت الى عدة سنوات وساهمت في تكوين احتياطي نقدي كبير قارب 3 ترليونات ريال، وقال إن الفترة الراهنة تستدعي اعادة النظر في أولويات الانفاق بعد العجز المتوقع ان يزداد بنسبة الضعف عن ما جاء في الميزانية في ديسمبر الماضى والذى قدر في ذلك الوقت بحوالى 145 مليار ريال، عندما كانت اسعار النفط في مستويات السبعين دولارا للبرميل، لافتا الى ان من الاسباب الرئيسية وراء الانخفاض وجود زيادة كبيرة في السوق تزيد على 4 ملايين برميل يوميا. واشار الى ان الاولوية حاليا يجب ان تكون للمشاريع الانتاجية التى تدعم التوظيف وتوفر المزيد من فرص العمل للمواطنين، وبدلا من طرح مشاريع جديدة يجب الانتهاء من قرابة ألف مشروع حكومي على الاقل في مختلف المناطق ما بين متأخرة ومتعثرة لأسباب مالية وتنظيمية وروتينية أيضا، مشيرا إلى أن إنجاز هذه المشاريع يمكن ان يحدث نقلة نوعية في حياة المواطنين. من جانبه قال الكاتب الاقتصادي جمعان العدواني ان المملكة انفقت بسخاء خلال السنوات الخمس الماضية على البنية التحتية، وفق خطة استهدفت تنفيذ مشاريع بحوالى 400 مليار دولار، مشددا على اهمية التوسع في المشاريع الصناعية والانتاجية وانشاء وزارة للصناعة باعتبار ذلك السبيل الوحيد من اجل دعم الصادرات غير النفطية التي مازالت تتراوح بين 200 الى 220 مليار ريال سنويا، واشار الى ان التحدي الرئيسي ايضا في الوقت الراهن هو ارتفاع فاتورة الواردات من الخارج الى اكثر من 650 مليار ريال سنويا مما يفاقم من الأعباء المالية على الدولة. وشدد على اهمية ايلاء صناعة الخدمات وتوطين المعارف والتقنية اولوية قصوى ليكون الاقتصاد السعودي متعدد الاوجه ولا يعتمد فقط على النفط، لافتا الى ان الايرادات النفطية مثلت العام الماضى قرابة ترليون ريال، فيما بلغ حجم الميزانية العامة للدولة حوالى 860 مليار ريال. وشدد على اهمية إعادة الهيكلة والتركيز على المشاريع الملحة فقط في الفترة المقبلة متوقعا ان يزداد عجز الميزانية عن المتوقع ب145 مليار ريال في ظل الانخفاض المفاجئ في اسعار النفط الى مادون ال50 دولارا، بعد موجة انتعاش نسبي لم تستمر طويلا للأسف الشديد. وشاركنا الرأي الاقتصادي الدكتور عبدالله الشدادي مستعرضا آفاق الحلول التى تطرحها الجهات الاقتصادية الدولية ومنها صندوق النقد، والذى يوصي بإعادة النظر في دعم الوقود والأجور، مشيرا الى ارتفاع فاتورة الأجور بعد تثبيت اكثر من 300 الف موظف في السنوات الاخيرة بالقطاع الحكومي. وأشار الى أن هذه الوصفة جاهزة منذ سنوات طويلة لجميع الدول، مشيرا فى هذا السياق الى أن ما يصلح لمجتمع ما، قد لا يصلح لمجتمع آخر. واتفق مع الآراء الداعية لربط اعادة هيكلة دعم الوقود مع الانتهاء من مشاريع النقل العام في مختلف المناطق، مع إمكانية خفض الانفاق الحكومي من خلال الترشيد في البنود غير الضرورية ومنها الانتدابات والسفريات الى الخارج وفرض رسوم على الأراضي البيضاء. ورأى أنه لا بديل للمملكة عن اقتصاد متعدد الاقطاب، من خلال النفط والصناعة والزراعة والخدمات، مشيرا الى ان خطط التنمية المختلفة نادت بهذا الأمر منذ أكثر من 20 عاما، ولكن لم تتم ترجمة هذه الاستراتيجية الى خطط حقيقية. وأشار الى أن من التحديات الرئيسية أيضا، رفع مستوى الإنتاجية من خلال الارتقاء بأداء العنصر البشري، مشيرا الى أنه رغم إنفاق أكثر من 700 مليار ريال على التنمية البشرية الا أن المنتج لا يزال ضعيفا بدرجة كبيرة.