هناك طرفة يرددها بعض الظرفاء على شكل نصيحة: متى أردت أن تعرف أنك في حاجة إلى السفر، انظر إلى صورتك في جواز سفرك، فإن وجدت شكلك متطابقا مع صورتك في الجواز، فهذا معناه أنك حقا في حاجة إلى السفر. السفر متعة، وهو وإن كان في حد ذاته متعة، إلا أن متعته تزداد تألقا متى ارتبط بالإجازة، فالإجازة عادة استرخاء ولهو وشيء من مرح، فيستمد السفر جماله من جمال الإجازة. كما أن الإجازة نفسها ارتبطت في أذهان كثير من الناس بالسفر، وعادة ما إن تبدأ نسمات الصيف الدافئة تمارس نشاطها المعتاد معلنة اقتراب موسم الإجازات حتى يبدأ ضجيج التحرك استعدادا للرحيل. حين نسافر ليس بالضرورة أننا نسافر من أجل غاية معينة أو منفعة محددة، السفر في حد ذاته يعطينا متعة، أحيانا نسافر لنعيش متعة الارتحال وكفى! حقا أنك قد تجد في السفر اغترابا أو مشقة، لكنك أيضا، تجد فيه حياة وانتشاء، وليس كما يقول صموئيل بيكيت حين وصف الارتحال بأنه انتحار، فنحن حين نسافر نحس بحركة الحياة تتدفق من حولنا، تدفع بنا بعيدا خارج دائرة الجمود. وأجد أبا تمام كان أصدق من بيكيت حين قال بيته المشهور: (وطول مقام المرء في الحي مخلق،، لديباجتيه، فاغترب تتجدد)، فرغم أن ظروف الحياة الآن اختلفت عن عصر أبي تمام، بعد أن نجحت التقنية المعاصرة في تقريب الثقافات من بعضها وتيسير التواصل عن بعد بكل أنحاء العالم، إلا أنه لا يزال للارتحال طعم يتجدد باستمرار، طعم الحركة ودهشة الاكتشاف. من مزايا السفر أنك تعود لبلدك بحب أكثر، وبشوق أكبر، وحين تنظر له بعين المحب المشتاق، لن تلتقط عينك سوى ما فيه من جمال. تنسى الغبار، تنسى حر السموم، تنسى الجفاف، تنسى الأرض الجرداء، تنسى المضايقات والمشكلات، تنسى كل شيء، تتذكر شيئا واحدا أنك مشتاق إلى هذا الوطن، وأنه لم يغادرك لحظة حتى وإن غبت عنه بجسدك. ربما تعود وقلبك تنهشه مشاعر الغيرة تتمنى لو أن بيدك جلب بعض ما شاهدت وعرفت، كسهولة الحركة والتنقل، أو الانضباط والتنظيم، أو مناخ الحرية. وقد يستقبلك ما يجعلك تغص بملح ريقك، فتتعطل لغة الكلام على لسانك، لكنك لا تملك سوى أن تفتح ذراعيك لتحتضن الوطن.