أنزلق على أرض الحمام، أنزلق برشاقة كما لو كنت راقصة في مسرح، رافعة ذراعي اليمين واليسار إلى الأمام، والى الوراء، وقدم هنا، وأخرى هناك. وسقطت، وكسرت ساقي، وبقيت في الفراش شهرا كاملا أنظر إلى السقف، وإلى وجوه القادمين إلي للزيارة، ولقول شيء ما مثل الحمد لله على السلامة. أهلي، وأهل زوجي. ابنة خالته بقيت زمنا أطول، وكانت تختلس النظر إليه. منحتها هذه الفرصة، حينا كنت أنظر إلى الجهة الأخرى لتتأكد من أني لا أراقبها تفعل ذلك! وحينا كانت عيناي تبدوان ضبابيتين، وصدري يقول شيئا غبيا لم أتبينه، لكني شعرت به. كانت شابة في منتصف العشرين من عمرها وترتدي ثوبا عريضا من الأسفل، ولكنه ليس طويلا بحيث يصل إلى كعبي قدميها، وإنما إلى النصف فقط من الساق. الثوب لونه أصفر فاتح، وترفع شعرها بطوق بني يتلألأ. كانت جميلة، مورقة، مثل فنانة قديرة حقا، ولم أتمكن من كرهها. كان زوجي يتظاهر أنه مهتم بحالتي الخرقاء تلك، وكان يجلس على حافة سريري، بجانب رأسي المرفوع على وسادة محشوة بالريش. ولم يكن يستطيع التمادي معها في الكلام عن الطقس، والأسهم، والشرق الأوسط، ومشاكل أوكرانيا، والمطر الذي لم يتسن له أن يهطل أياما أخرى. رتبت شعري رغم تعرقه، وحاولت أن أبرز أسناني النظيفة، المرتبة في صف منتظم بعد جلسات عديدة، مملة، على كرسي طبيب الأسنان. اتضحت في تلك اللحظات حقيقة صغيرة ابتدائية، وهي أن الصراع بين امرأتين على رجل واحد مسألة مثيرة للقلق، وينبغي أن يعاد التفكير فيها على الصعيد الإنساني والحيواني معا، كي نضع الأمور في نصابها الصحيح، الصراع على الرجل الأناني المستبد المتلكئ كي يعجب به، وينال ما يصبو إليه من التفخيم كما اعتاد أجداده منذ العصور السالفة. لقد وهبته الفرصة لكل هذا، وأخذت جانب المتفرج المتواطئ. لقد تواطأت معها لأجله. ما فعلته قمة في التسامي، إن كان يدرك ذلك. حماتي باركت الموضوع عندما وافقت ابنة أختها على البقاء إلى جانبي، إذ ربما أحتاج إلى كأس من الماء مثلا. وأنا اتكالية بما يكفي كي أجعل أحدا آخر يعيش حياتي نيابة عني. كانت تجلس في المقعد الذي لطالما كان لي، أقرأ فيه وأنا مسترخية. كانت القراءة في ذلك المقعد تجعلني أنام. أتأخر عقليا درجة واحدة في كل مرة يلتقطني فيها المقعد، لينتشلني من الارتجاج المضني للعقل الذي يقول لي ابقي صاحية طوال الوقت. ركيزة الوعي أدور حولها لئلا يفوتني أمر. لكنها وهي تجلس على ذلك المقعد الدرامي لم تكن مضطربة، أو تشعر بأن شيئا ما ينقصها، أو رغبت في تحطيم الأطباق التي في حوض المغسلة، بل كانت، كيف أقول ذلك؟ كأنها ملهمة. تستمد إلهامها من ذلك الرجل الذي رأسه يعلو فوق رأسي. وكان الوقت طويلا، نعم، لقد بقيت هناك على مدى ساعتين لعينتين، يمكن للمرء أن يموت فيهما، أو يحترق، أو يصاب بالصرع، أو أي شيء. وكانت في مزاج رائق، وفمها لم يكن ليصمت إلا لكي تبدأ عيناها بالحديث، وعندما تصمت عيناها ينطلق فمها الصغير الذي لا بد أن زوجي تمعن فيه جيدا. لم يذهلني أن تأتي امرأة لتشاركني هذا الرجل، فقد كان الأمر كذلك طوال الوقت، إلا أنه لم يكن علنيا، بل كان يحافظ على سريته. الآن تنهض، إنها تلقي تحيتها للمغادرة، وتتمنى لي الصحة في قابل الأيام. وأنا أنظر إليها كما لو كنت لم أنتبه لما كان يحصل في الساعتين الماضيتين، وكأن ليس لي حق في هذا الرجل، ورددت تحيتها بتحية مثلها، وانعتق وقتي أخيرا. ذهب معها ليوصلها إلى الباب، وكان عليه أن يتأخر بالطبع.