لا نكاد ننسى مشكلة المناهل والآبار المكشوفة وما تخلفه من حوادث مأساوية يذهب ضحيتها أرواح بريئة، إلا ويقع حادث جديد نفقد فيه ضحايا آخرين، ليعيد للذاكرة هذا المسلسل الذي لم نستفد من تجاربه السابقة، مناشدين الجهات ذات العلاقة باتخاذ كافة الإجراءات الوقائية والاحترازية للحيلولة دون وقوع حوادث جديدة وضحايا آخرين. بهذه الجملة، عبر عدد من الأهالي والمختصين في جدة عن معاناتهم مع مشكلة المناهل والآبار المكشوفة التي لا تنتهي -حسب قولهم- مطالبين بتضافر جهود الجميع لمعالجة هذا الخلل، وإغلاق الملف نهائيا، بوضع منظومة متكاملة من الحلول تحول دون تكرار الحوادث المؤسفة التي حدثت سابقا، نتيجة إهمال بعض الجهات لواجبها، مشيرين إلى أن المسؤولية مشتركة بين المسؤول والمواطن باعتبار أن الكثير من الآبار تقع داخل مؤسسات تجارية وعمائر سكنية تعود ملكيتها للأهالي، لافتين إلى أن مراقبة الآبار المكشوفة ومحاسبة مالكيها هو جزء من الحل، تتبعه حلول أخرى سواء ما يتعلق منها بالجانب التوعوي ودور المواطن في الإبلاغ عن تلك الآبار قبل أن تبتلع ضحاياها، أو دور الجهات المختصة في معالجة تلك المناهل والآبار المكشوفة وفرض الإجراءات الوقائية والاحترازية الكافية لذلك. وفي الجولة الميدانية على عدد من الأحياء رصدت «عكاظ» عددا من المناهل والآبار المكشوفة ليس في الطرقات فحسب، بل بداخل بعض العمائر السكنية التي يحكي ساكنوها فصولا غريبة من الإهمال، أدت إلى حوادث مؤلمة، أبكت الكثيرين، فيما يبدو خزان الصرف الصحي في عدد من العمائر مكشوفا دونما اعتبار لسلامة الأطفال الذين قد تبتلعهم تلك الخزانات في أية لحظة وفي غفلة الأهل، ما يؤدي إلى إزهاق أرواحهم. ويبقى السؤال مطروحا: من المسؤول عن هذه الحوادث؟ ومتى ينتهي مسلسل الإهمال، وكيف نقضي عليه، وما هي أبرز الحلول التي تجعلنا نستفيد من تجاربنا السابقة، مع كيفية معالجة المشكلة بالشكل الصحيح؟ الارتوازية أخطر..! يقول استشاري وخبير المياه الدكتور حمود بن مطر الثبيتي: الآبار عدة أنواع منها الأنبوبية وهي التي تسمى الارتوازية. وهي آبار ذات أقطار صغيرة لا تتجاوز 20-24 بوصة وأغلبها 12 بوصة، والآبار اليدوية وهي آبار أقطارها تتراوح مابين 2-5 أمتار. وهنالك الآبار الاعتراضية وهي عادة تكون آبار مستطيلة الشكل لها أطوال أكبر من عرضها. وهنالك ايضا الآبار السطحية وهي التي تتراوح أعماقها مابين 10-50م وهي عادة تكون الآبار اليدوية أو الاعتراضية. أما الآبار الأنبوبية (الارتوازية) عادة تكون آبار عميقة وغالبا تترواح أعماقها مابين 100-1200م. أما من حيث الخطورة فغالبا ما تكون الآبار الأنبوبية أكثر خطرا من اليدوية وذلك لعدم ظهورها أمام الانسان لصغر أقطارها وعدم وضوحها، مما يجعلها مصيدة لمن لا ينتبه لها وكذلك صعوبة استخراج من يسقط بها، وأغلب الحوادث التي حصلت حتى الآن هي في الآبار الانبوبية وإن كانت هنالك بعض الحوادث في الآبار اليدوية ولكنها قليلة لكونها ظاهرة وواضحة أمام الانسان مما يجعله ينتبه لها ويبتعد عنها. التخلص من البيارات ويشير الثبيتي أن مدينة جدة على وجه التحديد تحتوي على آبار أنبوبية وكذلك يدوية وإن كانت بأقطار صغيرة لا تتجاوز المترين. واستخدم الأهالي هذه الآبار مؤخرا لغرض تصريف مياه الصرف الصحي لجوف الأرض أو كما يتوهمون لتختلط مياه الصرف بمياه البحر. وهذا غير صحيح لأن الأرض تكون عادة مشبعة بالمياه ما يجعل تسربها غير ممكن خاصة في المواقع الطينية، مضيفا: وللتخلص من هذه الظاهرة يجب الإسراع في تنفيذ شبكات مياه الصرف الصحي ومن ثم التخلص من خزانات الصرف أو مايسمى بالبيارات ثم التخلص في النهاية من هذه الآبار ومن مخاطرها. كذلك يجب مراقبة حفر الآبار وعدم السماح بذلك من قبل الجهات المسؤولة في الأحياء التي لم تغطها شبكة مياه الصرف الصحي ومعاقبة من يقوم بالحفر وتغريمه على ذلك. ويوضح الثبيتي أن الآبار الأنبوبية هي المسؤولة عن الحوادث التي وقعت مؤخرا، كونها أكثر خطورة، إذ إن نسبة نجاة من يقع فيها تكاد تكون معدومة، نظرا لصعوبة استخراج من يسقط بها، لذا يجب أن يكون هناك رقبة بارتفاع 1-2م حتى تكون البئر واضحة وموقعها بارزا للابتعاد عنها والحذر منها حتى لا تبتلع ضحايا جددا، مشيرا إلى أن أغلب الآبار تقع في أملاك أهلية أو حكومية، مبينا أن الآبار الارتوازية أكثر الأنواع خطورة لعدم وضوحها أمام المارة. وأهاب الثبيتي بمن يحفرون الآبار ضرورة وضع إجراءات الحماية اللازمة لها، فهم وحدهم من يتحملون مسؤوليتها سواء كانت آبارا أهلية أو حكومية أو تابعة لمنشأة، مطالبا بمعاقبة صاحب المكان على ذلك وتغريمه ليكون رادعا له وعبرة لغيره، مطالبا أي جهة تقوم بحفر الآبار أن تعمل على حفظها وعدم تركها مكشوفة حتى لا تكون مصيدة لإنسان بريء يقع فيها ويفقد حياته. سرقة أغطية الصرف ويتفق سالم باعقبة ومحمد الشافعي وعبدالله الأهدل ويوسف بخاري ومحسن الجيزاني (وغيرهم من المواطنين) على أهمية معالجة كافة المناهل والآبار المهملة وعلى وجه التحديد التي تقع في أماكن بها وجود بشري، لينتهي مسلسل الآبار المكشوفة بسلام، والحيلولة دون ابتلاع مزيد من الضحايا، معتبرين أن المشكلة لا تنحصر فقط في حالات الإهمال، بل تمتد إلى حالات السرقة والعصابات التي أصبحت متخصصة في سرق أغطية الصرف الصحي، ما يفاقم حجم المشكلة، متفقين في ذات الوقت على ضرورة أن نعالج المشكلة، ونخطو جميع الخطوات الاحترازية، ونضع كافة الاجراءات الوقائية الممكنة قبل وقوع مزيد من الضحايا سيما مع انتشار خزانات الصرف الصحي في معظم العمائر والمنشآت السكنية والتجارية، وكذلك الآبار الارتوازية التي تقع في الأماكن والطرقات العامة أو مواقع التنزه البعيدة (مثل عسفان وغيرها). استدعاء مالكي الآبار في المقابل يوضح الناطق الإعلامي للدفاع المدني بمنطقة مكةالمكرمة العقيد سعيد سرحان أن هناك عدة أنواع للآبار بعضها للزراعة وأخرى للصرف الصحي وأغلب الحوادث التي حصلت وقعت في النوع الثاني، وبالنسبة للمناهل والآبار المكشوفة التي نقوم برصدها نحرص على استدعاء الجهة أو الشخص الذي يقع البئر داخل نطاق مسؤوليته واختصاصه سواء كان الموقع موقعا عاما، أو تابعا لمنشأة سكنية أو تجارية. حيث نطلب من الشخص أو الجهة المسؤولة معالجة البئر سواء بتغطيته أو باتباع غيرها من إجراءات الوقاية والسلامة التي تضمن زوال الخطر عن الموقع (أو البئر الذي نقوم برصده). عقوبات مشددة ومن جانبه أشار أستاذ المياه الجوفية بجامعة المؤسس الدكتور ناصر العمري إلى أن الحلول لا يمكن أن تتم إلا بتكامل الوعي وتضافر الجهود بين المواطن والجهات المختصة سواء في توعية جميع المالكين بضرورة التقيد بكافة أساليب السلامة وعدم ترك بئر مكشوفة لأي سبب سواء كانت المنشأة مكتملة أو تحت البناء. مضيفا إن المسؤولية مشتركة بين المسؤول وبين المواطن باعتبار أن العديد من الآبار وخرانات الصرف الصحي تقع في نطاق الأماكن السكنية، مطالبا بتفعيل الجانب التوعوي والرقابي، ومحاسبة الأشخاص والمنشآت التي تخالف إجراءات السلامة وفرض عقوبات مشددة، وإلزامهم بتغطية أو معالجة الآبار والمناهل التي تقع تحت دائرة اختصاصهم، مناشدا الجهات المعنية بمعالجة المشكلة بشكل عاجل، وبطريقة ناجعة، تضمن تعاون كافة الجهات والأهالي، للتخلص من شبح الآبار المكشوفة، مع التقيد بالإجراءات الاحترازية اللازمة، والتي تحول دون سقوط ضحايا آخرين.