يمكننا تعريف الحب بأنه حالة من الجنون المؤقت الذي يتخلى فيه الرجل طواعية عن عقله، ليهيم بامرأة هي بالنسبة له أجمل الجميلات. ولولا هذه الحالة لما كان هناك قصص يمتعنا بها الرواة أو قصائد يطربنا بها المغنون. وأحد هؤلاء العاشقين فارس العرب الأول عنترة بن شداد الذي سلم من طعنات الأعداء تسعين عاما، لكنه لم يسلم من سهامٍ صوبتها عيون ابنة عمه عبلة ليكبر الجرح معه.. وظل هواك ينمو كل يومٍ كما ينمو مشيبي في شبابي ورغم وصفه لعبلة في كثيرٍ من قصائده، نجده في حقيقة الأمر يخفي أوصافها عنا أكثر مما يظهرها، ربما غيرة.. مهفهفة والسحر في لحظاتها إذا كلمت ميتا يقوم من اللحدِ أشارت إليها الشمس عند غروبها تقول إذا اسود الدجى فاطلعي بعدي وكما كانت عبلة قمرا، تنير ليل السهارى، كان هو من علم الحمام العزف على مقامات النوح والبكاء.. ألم تسمعي نوح الحَمائِمِ في الدجى فمِن بعضِ أَشجاني ونوحي تعلموا ولم يفعل عنترة كما فعل خليفته عشقا وهو الذي تعداه جنونا قيس بن الملوح، الذي طلب العلاج من أطباء الإنس والجن.. ألا يا طبيب الجن ويحك داوني فإن طبيب الإنس أعياه دائيا فقد طابت لعنترة حالته، ورفض طواعية مداواة قلبه المكلوم، أو اختيار حبيب آخر يرأف بحاله إن كان بمقدوره.. لو كان قلبي معي ما اخترت غيركم ولا رضيت سواكم في الهوى بدلا لكنه راغب في من يعذبه وليس يقبل لا لوما ولا عذلا وبهذا تطورت حالته السريرية إلى جنون دائم، كل هذا بسبب عبلة، تلك المجهولة التي خلدها عنترة في شعره، والتي لم يتحدث عن جمالها أحد سواه، فهل كانت جميلة حقا؟ وهل يهم إن كانت كذلك أم لا في نظر عاشق متيم؟..