لم يعد في الواقع العربي مساحة للفرح، حتى الفرح نفسه أصبحت تلفه سحب الرماد والخوف. كأنما البحث عن ابتسامة صغيرة هو بحث عن المستحيل. هكذا اختلطت أزمنة الفرح بأزمنة الحزن. ذلك أن البلداء وحدهم هم الذين لا يحزنون لما يجري ويدور في عالم عربي يضيع فيه الأمل تحت قوة الألم. يحلمون عن مستقبل مضيء وخلاق وعن مجتمعٍ لا مكان فيه للحقد والضغينة والدسائس. مجتمع يسود فيه الوئام والسلام وحوار العقول، لا حوار البنادق والمدافع وقتل الأبرياء واستباحة الأرض. إنه زمن الألم بامتياز إذ أينما تلفت لا تسمع إلا صوت الرصاص، وأصبح الولاء للحزب والطائفة والمذهب يتقدم على الولاء للدولة والوطن. ولبنان هو النموذج الواضح والصارخ هنا. وما فعلته كذلك ميليشيات الحوثي في اليمن حيث الاعتداء والقفز على شرعية الدولة، من أجل إقامة دولة بمعايير ومقاييس إيرانية. هكذا هو زمن الموت الأكثر حضورا في حياتنا والأكثر مشاهدة في كل وسائل الإعلام. حيث لا ترى إلا صور أشلاء الأطفال والشيوخ والنساء والأرامل والتي تحتل أبرز الأخبار في العالم. من سوريا حيث أصبح هذا البلد بقايا لدولة كانت تضيء بالتاريخ، حيث تم إلغاء الماضي والحاضر وانمحى كل شيء . ودخلت سوريا في تِيه الهوية وضياع التاريخ وهو ما ينطبق تماما على العراق واليمن. وكل هذا يحدث بفعل خداع السياسة ومؤامرات الداخل والخارج. ومن مصر إلى اليمن إلى ليبيا وبقية دول الخراب العربي وليس الربيع العربي، أصبح الموت يتم بإسم الايديولوجيا الظلامية. إذ أصبح حالة يومية اعتيادية، لا يحرك ساكنا ولا يهز ضميرا. كما يفعل تنظيم «داعش» وبقية التنظيمات الظلامية الأخرى. دول تسقط اليوم كانت تملك تاريخا وتراثا وثقافة، تسقط في الموت اليومي والمجاني والاقتتال بحثا عن طموحات سياسية فاشلة مرتهنة ومرتبطة بإيديولوجيات مذهبية، وخير مثال على ذلك ميليشيا الحوثيين في اليمن. لقد أصبح الموت هو الهوية لهذه البلدان، فقد استبدلتها عوضا عن هوياتها التاريخية والثقافية والحضارية كأنما الموت هو واجهتها وهويتها أيضا. وكما قال الشاعر العربي الكبير أدونيس «هذا زمن الموت ولكن كل موتٍ فيهِ موت عربي». وأخيرا.. لقد دخل العرب أزمنة الموت وهو موت حضاري يشوه التاريخ ويمزق الجغرافيا بدلا من بناء مجتمعات حديثة أكثر أمانا واطمئنانا وأكثر بناء للراهن والمستقبل بالعلم والمعرفة..