إن مازت الناس أخلاق يعاش بها فإنهم عند سوء الطبع أسواء الناس كما يراهم أبو العلاء المعري في هذا البيت، متماثلون في سوء الخلق، ومهما تفاوتت صفاتهم، هم في سوء الخلق سواء!! كل الناس في سوء الخلق سواء، هذا ما يراه أبوالعلاء!! قد تجد بين الناس الشجاع والسخي والمهذب وحلو الحديث، لكن احذر، لا يغرك شيء من ذلك، فكل ما تراه منهم ليس سوى غطاء زائف لحقيقتهم الكامنة المتمثلة في غلبة سوء الطبع عليهم، فالناس جميعهم منافقون يخفون طبيعتهم السيئة التي فطروا عليها كالنفاق والخبث والغدر والخيانة!! سجايا كلها غدر وخبث ،،، توارثها أناس عن أناس هذه الصورة البشعة لسوء الظن في الناس قريبة من رأي الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، الذي كان يسيء الظن في كل أحد، ويرى أن الشر هو الأصل في طبيعة البشر فلا ينبغي الثقة في أحد منهم ابدا، وقد يكون رأي المعري في الناس وصل إلى روسو فتأثر به، وقد يكون مجرد توارد أفكار، لكن ما يبعث على الحيرة هو ما الذي يجعل أمثال هؤلاء المفكرين يسيئون الظن بالناس، فيفقدون الثقة فيهم ويظلون لا يتوقعون منهم سوى الشر والإساءة؟ هؤلاء الذين يسيئون الظن في طبيعة الإنسان ويرون الشر متأصلا في خلقه، ما رأيهم في انفسهم؟ هل يعدون أنفسهم هم أيضا سيئون ومنافقون، كبقية الناس الذين يسيئون الظن فيهم، أم يرون في انفسهم اختلافا يميزهم؟ أبو العلاء المعري، يعترف أنه لا فرق بينه وبين غيره، فهو ليس إلا واحدا من الناس، وما دام النفاق في فطرة الناس فلا بد أن يكون شأنه كشأنهم: أنافق في الحياة كفعل غيري ،،، وكل الناس شأنهم، النفاق اعتراف أبي العلاء بأنه ينافق، دليل حكمته، فما دام يعرف من نفسه تلك الخصلة، لم يجحدها! لكنه في المقابل أوجد لنفسه عذرا بأن النفاق غريزة فطرية لا يمكن للإنسان أن يتخلص منها، غاب عن أبي العلاء أن الغرائز وإن كان لا يمكن التخلص منها، إلا أنه يمكن ضبطها وتهذيبها والتحكم فيها، فكيف لمن هو مثله أن يعجز عن ضبط تلك الغريزة!!