إن من عظم البلوى، وأشدها مضاضة، وآلمها وقعا على النفس، أن يجد خبثاء الطوية، ومتورمو الدواخل بقيح الغرض، ونتن الحقد والموجدة على من خبروا مقاصدهم المريبة، وأفشلوا مساعيهم المشبوهة، وتركوهم عريا من أي ساتر يقيهم شر السقوط في مزابل التاريخ، أن يجد مثل هؤلاء الشوهاء الفرصة في منابر الإعلام ليبثوا سمومهم، وينفثوا حقدهم الدفين، بطريقة يتوهمون فيها «التذاكي»، ويتوسمون فيها «التمنطق»، وما دروا أنهم خلو من ذلك، وفقراء حد الإدقاع من كل سبب يربطهم بالمنطق، أو يعقد الآصرة بينهم وبين حسن المقاصد، فقد فارقوا ذلك منذ أن ارتبطت مصائرهم وقضاياهم ب«تنظيمات» خارجية، معروفة التوجه، ومدركة النوايا، ومحسوبة الخطوات. فما أبأس ما جاء به بعض الفئويين والحزبيين من آراء مخاتلة في القنوات الفضائية أو الدعوة لمحاضرات عامة ليمارسوا فيها كذبا بواحا لعهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يرحمه الله-، في صورة غير التي عاشها كل مواطن، ونعم بها في دعة وأمن ورخاء، على سيرة من سلف من ملوك العهد السعودي الزاهر، فإذا بذلك العهد في مخيلتهم عهد انفلات سياسي، واستغلال لموارد المملكة، وعدم تقدير لحجم الأضرار والمخاطر التي تحيط بها، وسوء اختيار للشخصيات التي تساند المملكة في الحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها وسياستها الخارجية، كل هذا الهجوم على الملك عبدالله، رحمه الله، طفح به جوفهم المريض مقرونا بإشادة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله، وكأنهم بهذا المركب الواهي سيعبرون إلى قلبه، ويمررون خطابهم، وخطاب رهطهم ممن يشاطرونه عوارهم الفكري وموقفهم السياسي اللزج، ويضع الدولة في الموضع الذي يشتهونه، ويتطلعون إليه نسوا بأن الملك سلمان قد خبر معادن الناس وعرف مخبرهم عبر تاريخ طويل في دهاليز الحكم والإمارة، وأن الملك سلمان صنو أبيه رحمه الله (الذي جمع آل سعود وأعلمهم أن مقامهم وشرف عائلتهم محفوظ أينما جلسوا مادام كبيرهم له المقام الأول). جاء حديثهم ضاربا على أوتار تجاوزها الزمن وقضايا وضحت معالم أهدافها الخبيثة، ليحشروا في وسط حديثهم وقائع معينة، لينكشف المنطق الخبيث، والطوية التي أسنت بما حملته من موجدة وغضب دفين على موقف المملكة آنذاك، المساند لاستقرار مصر، فكانت رسالتهم محمولة على نقد المواقف إجمالا، وتمرير خطابهم الخاص في جوفها. ولو أنهم خرجوا من محيط دائرتهم الضيقة، ونظروا إلى ما ساقوه من أحاديث فجة ومرفوضة في حق ملك أحبه الجميع وقدره، لأدركوا جيدا أن سياسة المملكة ثابتة قائمة على ميثاق مؤتلف، وتوافق في الرؤى، منذ عهد المؤسس رحمه الله (يروي حافظ وهبه أن أحدهم قدم على الملك عبدالعزيز لتهنئته باغتيال الشريف عبدالله بن الحسين ظنا منه أن ذلك يسعده إلا أن الملك غضب وثار وطرده من مجلسه قائلا: هل يشمت عاقل بموت إنسان، لا يشمت إلا الجبان الرعديد ولا يشجع عليه إلا رجل تنقصه الشجاعة والرجولة)، ولهذا فلا محل لإشادتهم التي توجهوا بها إلى الملك سلمان، وعهده الميمون والذي لا يحتاج إلى شهادتهم المغرضة؛ إلا من باب التزلف المكشوف النوايا، فما أعجب مثل هذه «الجرأة العمياء»، التي تتعامى عن أبسط قواعد المنطق، وتركب إلى بلوغ مقاصدها «أعرج» السبل. فلينظروا إذن أين وضعوا أنفسهم!! فالمملكة لن تكون ساحة لعبث تيارات حزبية، واللاطمين على مصيرها، فموقف المملكة قيادة وشعبا من هذه المنظومة الفكرية، ومن مشايعيها المتدثرين بدثار «الصحوة»، ثابت بالرفض القاطع، وحاسم بإدراك نواياها الخبيثة، وإن ضربت على أوتار الدين الحساسة، وأيقظت الفتن هنا وهناك. فليس المجتمع السعودي ممن يخوف بالتباين الطائفي فيه بين الشيعة والسنة على مدى التاريخ، فقد عرف المجتمع هذا التباين، وظل التعايش قائما دون تمييز، ولكن بمنطقهم المعوج قامت الفتنة من مرقدها، وأطلت برأسها، ومزجت في خطابها بين مثيرات الفتنة، ومآربها المشبوهة، تبحث لها عن موطئ قدم في ظل التماسك الكبير بين القيادة الرشيدة والشعب اليقظ. إن الإجراءات المتخذة تجاه هؤلاء الناعقين والذين ظنوا ظلما أنهم يملكون الحقيقة وأنها دانت لهم دون غيرهم أمر منطقي ومقبول، فلم يكن ما جاءوا به من باب النقد لتجربة حكم مضت، ولكنه محاولة لنسف القواعد الأسياسية التي قامت عليها دولتنا الفتية في كل مسيرتها منذ أن وحد الله أرجاءها بسواعد رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولو كانوا صادقين فيما يطرحونه، لكان واجبا عليهم أن يتبعوا الشرع في تقديم النصيحة للحاكم وبابه وقلبه وعقله مفتوح، ويعرفون آداب ذلك، إن كانوا يريدون فعلا الإصلاح، ولكنها سعاية الفتنة، ومقاصد الذين يفكرون من خارج الحدود، ويتخذون من أمثالهم وسيلة لتحقيق مآربهم، فليدركوا جميعا أن المملكة عصية على الاختراق، قوية بعزم رجالها، بصيرة بأصحاب الألسنة المشروخة، عهدها دوما قائم على الاحترام والتقدير بين قيادتها الرشيدة وشعبها في ولائه المطلق لدولته المستظلة بالكتاب والسنة، والمتشرفة باحتضان الحرمين الشريفين، عهدها مع أي ولي أمر فيها السمع والطاعة، ما أطاع الله والرسول فيها، تنظر إلى صنيعه بعين التقدير لموقفه، وتدعمه فيه، تفرح بالنجاح الذي يحققه، وتقدر له الجهد متى ما لم تأت الأمور على غير ما أراد وخطط، ولكن يبقى حسن النية متوفرا، والثقة مبذولة بين الحاكم والمحكوم، ولن يعمد ذوو القلوب السليمة، إلى انتقاد وذم صنيع ولي أمر مضى إلى أمر ربه، فإن ذلك صنيع النفوس المأزومة بخطل المواقف، وسوء التقدير، وخبث السريرة، وقصر البصيرة عن الإدراك ورحم الله الملك عبدالله وحفظ لنا سلمان الحزم والعزم.