{يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخل جنتي} صدق الله العظيم. إنه قدرنا المكتوب في الرحيل من هذه الدنيا دار الفناء إلى دار البقاء، ولا راد لقدر الله سبحانة وتعالى، لن ترثيك الكلمات مهما حوت الصفحات ولن يغسل حزن قلوبنا الدموع الجاريات. ترجّل سعود الفيصل، الإنسان، ذلك الرجل الذي كانت حياته مليئة بأشعة النور في دهاليز السياسة العالمية وغياهب الدبلوماسية الدولية. ليست السنون التي قضاها على عرش الدبلوماسية السعودية هي من صنعت هذا العلم،، بل هو من صنع للدبلوماسية معنى ووضع لها المنهج «السعودي» يحاور حينا ويناور حينا. عن قرب كالتلميذ مع معلمه عرفت الفيصل، سعود مدرسة، حياة وعمل، صبر وجلد، علم وعمل، رؤية وهدف، لم يفت من عزيمته وإخلاصه لدينه ووطنه مرض، ولم يمنعه من اقتحام الصعاب مخاوف. إن ناقش أوجز لتحقيق هدف يسعى إليه، اختصر الجدل والحجة بالحجة في رسائل للمتلقي تضع حدود القبول والرفض، لا يخطو خطوة دون أن يعرف موقع قدمه الأخرى، احترمه الخصوم قبل الأصدقاء، إنه رجل استثنائي. انتزعته وطنيته ومسؤولياته من أسرته، عاش بين عاصمة وعاصمة، يصبح تحت سماء ويمسي تحت سماء، محفور في صفحات السياسة بل صحائف التاريخ تدرسه الأجيال القادمة الأنموذج. حل القدر ولا راد لقضاء الله وهو شامخ رغم آلامه وزمن يعيشه، لك من القدر أكبر في المكان والزمان ترجلت وما كان للدنيا لديك معنى. الفيصل سعود، قد عاش بما كتب الله له من أعوام رسم معالم مضيئة لدينه ووطنه في ظل توجيهات قيادات الوطن وعلى مدار أربعة عقود، مع كل هذا الوهج لم يسع يوما إلى صناعة إعلامية تمجد أعماله وإنجازاته، بل ترك هذه الإنجازات والنجاحات هي من تفرض نفسها على ساحة الوطن والإقليم والساحة الدولية. حدثته يوما عن مشروع لتدوين سيرته الذاتية حتى تكتب بالقرطاس «من مبدأ أن كل علم ليس في القرطاس ضاع»، فامتنع تواضعا وقال: ليس في السيرة ما يمكن أن أقوله أكثر مما تعرفونه، وأنا أعرف أن تلك السيرة غنية لي ولمن يقرأها من بعده، كما أعرف أنه عليه رحمة الله قد اعتذر عن تدوين افتتاحية لكتاب قام به أحد المؤلفين تتحدث عن جزء من عمله كوزير للخارجية. كل ذلك الكيان، ترجل في لحظة هدوء وسلام وفي ليال مباركة من هذا الشهر الكريم. كيف أبا محمد تعيش ذلك الهدوء الصاخب وترحل وتتركنا بهذا الصمت الحزين. يا معلمي، عشت بالعطاء عيشة العظماء ورحلت بأشرف وقت دون أن تلتفت إلى ما للدنيا من وهج وبريق. للحزن في نفوسنا مخزن ورحيلك المر لجراح قلوبنا أثخن. تقبلك الله بواسع رحمته وغفرانه.