تستطرد المرحومة الدكتورة نور محمد علي البار ، وهي تحكي لنا قصة تعاملها مع سرطان الثدي الذي أصابها وهي تكمل دراستها العليا في أمريكا ولما تتعدى الثلاثين من العمر فتقول عن كلام الناس: «قضاء الله يأتي برحمته وعطاياه.. فيخفف على النفس بلاءها، ويهون عليها مصابها. أما كلام الناس.. أو فلسفتهم.. فهي في كثير من الأحيان.. أشد على مريض السرطان من القضاء. أتكلم عن الناس المقربين، المحبين الذين لا يريدون للمريض إلا كل خير. بيد أن حديثهم قد يؤذي المريض ويرهقه نفسيا. والأمثلة على ذلك كثيرة: تتصل بي صديقة لتؤكد لي أنها تخاف علي أكثر من نفسها، ولتحذرني من مغبة استمراري في الحمل فتقول بانفعال شديد. «أمك أخبرتني أنك تنوين إكمال الحمل.. إذا كان المتحدث مجنونا فالمستمع عاقل.. يبدو أنك لست "واعية".. وتحتاجين لمن "يوعيك".. ثم تبدأ بالصراخ «أنت مريضة.. مريضة.. هذا ليس زكاما.. هذا مرض خطير.. ثم تأتين بطفل «معاق أو منغولي».. بسبب العلاج خلال الحمل..». هذا غير الفضول والأسئلة العجيبة.. التي تأتيك من كل جانب !!. «هل سيستأصلون ثديا واحدا أم اثنين».. «الكيماوي سيسقط شعرك.. أليس كذلك..». «يا ترى ما السبب في إصابتك بهذا المرض». «عجيب أمرك. أنت «دكتوره» ولم تستطيعي اكتشاف المرض مبكرا!».. أعزائي.. مريض السرطان يحتاج إلى دعم الناس. يحتاج إلى مواساتهم، ودعائهم، ومشورتهم عندما يطلب منهم المشورة. أرجوكم.. إن كنتم من المقربين لمريض بالسرطان.. فلا تفرضوا عليه آراءكم.. ولا تعرضوا عليه اقتراحاتكم التي قد تكون مؤلمة من غير أن تسألوا المشورة. فنيتكم وإن كانت طيبة.. إلا أن حديثكم قد يجرح. احرصوا على ألا تدعوا الفضول يطلق ألسنتكم لتسألوا أسئلة مؤلمة جارحة. وإذا ما طغى عليكم الفضول فابحثوا الأمر في كتاب أو في موقع على الإنترنيت فستعلمون أن الكيماوي يسقط الشعر من غير أن تسألوا المريض فتؤذوه. أما الموقف الإنساني الذي توقفت عنده طويلا فهو تفكيرها بعد أن علمت بإصابتها بالمرض في أن تبحث لزوجها عن زوجة صالحة ترعاه وترعى طفليهما بعد وفاتها. ذكرني هذا الموقف بصديق لي توفاه الله هو الدكتور عمر بليل مدير جامعة الخرطوم سابقا. عندما علم أنه مصاب بفشل كلوي. أول شيء فكر فيه هو البحث لزوجته عن زوج يرعاها بعد وفاته. عجيب هذه النفس البشرية إذا ما غمرتها المحبة للآخرين، وجللها الإيثار..