قبل أكثر من 3 أسابيع تناقلت وسائل الإعلام خبر وفاة أكثر من 2200 شخص في الهند بسبب موجة حر اجتاحت البلاد، وقد بدأ لدينا سريان أمر وزارة العمل بمنع تشغيل العمال تحت أشعة الشمس من الساعة 12 ظهرا إلى 3 عصرا ابتداء من منتصف يونيو حتى منتصف سبتمبر، ودعت الوزارة للإبلاغ عن مخالفي القرار مهددة بإيقاع عقوبات على الجهات المخالفة. وذكرني هذا بمرحلة قبل أكثر من ثلاثين سنة، كانت فيها ضربة الحر (أو ضربة الشمس) هاجسا كبيرا لوزارة الصحة أثناء موسم الحج، وأقامت وحدات خاصة لعلاجها في مكةالمكرمة والمدينة المنورة، وقد عملت مع بعض الزملاء في موسمين من مواسم الحج في تلك الفترة ورأيت الأخطار الناتجة عن هذا المرض وأتمنى أن يبدأ برنامج للتوعية بضربة الحر وسبل الوقاية منها. عند ارتفاع حرارة الجو يحاول الجسم تخفيض حرارته بالعرق الذي يتبخر ساحبا الحرارة من الجسم، ولكن إذا كان العرق غزيرا يفقد الجسم كمية كبيرة من الماء والأملاح مما يعيق التعرق وينقص ضغط الدم فتحدث أمراض الحرارة، ويمكن النظر إليها كحالة تبدأ بالإنهاك الحراري وتنتهي إلى ضربة الحر. الإنهاك الحراري: يشعر المريض بإرهاق شديد مع دوار وعطش وصداع وقد يتعرق بغزارة ويصبح جلده محتقنا وساخنا، وتكون حرارة الجسم بين 37 و 40 درجة مئوية ولا يصاحب هذه الحالة أعراض هامة في الجهاز العصبي مثل الغيبوبة أو اضطراب التفكير أو التوتر. ويعالج المريض بإبعاده إلى مكان بارد وإعطائه كمية من السوائل الباردة، فإذا لم تزل الأعراض والحرارة خلال 30 دقيقة يتم استدعاء الإسعاف لنقله حتى لا تتطور الحالة إلى ضربة الحر. ضربة الحر (أو ضربة الشمس): تكون حرارة الجسم فوق 40 درجة مئوية، وتجب الإشارة إلى أن حرارة الفم لا تعبر بدقة عن حرارة الجسم الداخلية في هذه الحالات ويجب استخدام جهاز قياس الحرارة من المستقيم أو من طبلة الأذن، ويتوقف العرق بعد أن كان غزيرا ويتسارع التنفس ودقات القلب مع صداع وقلق وصولا إلى عدم التركيز وصعوبة توازن الحركة، ثم الهذيان والتشنجات، مما يؤدي الى التباس الحالة مع بعض الامراض المعدية مثل الحمى الشوكية، وقد تؤدي إلى تلف في المخ أو المخيخ مع فقد توازن الحركة، أو تلف الكبد أو الفشل الكلوي، أو تلف عضلة القلب واضطراب دقاته، أو نزيف منتشر في الجسم. وتصل نسبة الوفاة 10 % إلى 50 %، وعند الاشتباه بإصابة شخص بضربة الحر عندما يكون جسمه حارا جدا وجسمه جافا خاصة في منطقة الإبط واللسان، وتركيزه أو حركته غير سليمة يجب الاتصال بالإسعاف ونقل المريض إلى مكان بارد وإعطائه سوائل باردة للشرب وأفضلها الماء، وإذا كان في غيبوبة فلا يعطى شيء بالفم، بل يوضع على جانبه الأيسر مع انخفاض الرأس عن البطن حتى لا يشرق إذا حدث قيء، مع نزع الملابس الثقيلة عنه ويمكن رش ماء على ملابسه الخفيفة مع تسليط مروحة كهربائية على الجسم لتخفيض الحرارة حتى يتم نقله إلى المستشفى. وفي المستشفى تقدم للمريض خدمة العناية المركزة، وأهم خطوة هي تبريد الجسم بسرعة، وقد أثرت خبرة المملكة أيام الحج السابقة، أثرت المراجع العلمية بالمعلومات المكتسبة في تشخيص الحالات وعلاجها، كما تم تصميم وحدة مكة لتبريد الجسم نتيجة أبحاث أجراها د. وانير ومصطفى خوجلي وتقوم فكرتها على بخ رذاذ الماء على الجسم مع الهواء الدافئ لتظل الأوعية الدموية مفتوحة لسحب الحرارة من داخل الجسم، وقد وجد أن كفاءة هذه الوحدة تبلغ ضعفي أو ثلاثة أضعاف فعالية غمر الجسم في الماء المثلج، وهي أكثر راحة منه. ويتلقى المريض في الوحدة السوائل والأدوية اللازمة حتى تتحسن حالته. والأشخاص المعرضون للإصابة بضربة الحر هم الأطفال دون السنتين، كبار السن، ومرضى السكري والمصابون بأمراض القلب أو الكلى، ولا أستبعد أن يكون مريض السكري معرضا أكثر للإصابة عند القيام بمجهود عضلي طويل في الشمس خلال وقت الذروة من 12 ظهرا إلى 3 عصرا. كما أن السمنة والإصابة بالزكام والتهابات الجهاز التنفسي يزيد من احتمال الإصابة. الوقاية: يجب تناول كمية كافية من السوائل خلال موسم الحر، مع ارتداء ملابس غير ثقيلة، وتجنب النايلون في الملابس على أن تكون الملابس فضفاضة، مع تجنب الإجهاد والحركة في وقت الحر الشديد. وتوجد في اليابان وعدد من الدول الأوروبية وأمريكا برامج لتحذير الفئات المعرضة لضربة الحر وتقديم المساعدة لهم، ونشر المعلومات عبر وسائل الإعلام والمعاهد والشركات وغيرها. وفي بريطانيا توجد 4 مستويات من الإنذار بموجات الحر، وفي أعلاها وهو الرابع يوصى الأفراد بعدم السفر غير المهم، والبقاء في أبرد غرفة في المنزل والاتصال بالأشخاص المعرضين لضربة الحر لمعرفة حالهم وتقديم المساعدة لهم وشرب الماء أو عصير الفاكهة والإقلال من الشاي والقهوة.. إلخ. سؤال لوزارة الصحة: ما هو حال وحدات مكة للتبريد الجسدي وهل نحن جاهزون لاستعمالها ومكافحة ضربة الحر في مواسم الحج القادمة ؟ [email protected]