سبق أن كتبت وتحدث وكتب كثيرون بأن المنهج الطائفي وسياسة الإقصاء التي تسير عليها الغالبية الحاكمة في العراق لاتساعد فعالية الجهود الإقليمية والدولية الساعية إلى محاربة الإرهاب ومحاصرة منابعه ومواجهة تنظيم داعش الذي يتسع نفوذه وانتشاره، مستغلا أخطاء الطائفيين في بغداد ليوهم العرب السنة بأنه جاء ليدافع عن وجودهم وعزتهم وكرامتهم، وأن انحيازهم إليه واحتضانه والوقوف معه هو الطريق إلى رفع الظلم عنهم وتمكينهم من حقوقهم ومشاركتهم في شؤون وطنهم حتى لا يصبحوا أقلية مضطهدة في ظل الهيمنة الطائفية المدعومة بأطماع إيران التوسعية.. والحقيقة الواضحة للجميع وتنذر بالأخطار هي أن العرب السنة يتعرضون لامتحان قاسٍ ويعيشون مرحلة صعبة، الخيارات فيها محدودة ومكلفة، فهم محاصرون بين أحقاد طائفة من بني وطنهم تسعى لإذلالهم والانتقام منهم لأخطاء لم يرتكبوها، وبين قساوة «داعش» وما يفرضه من قيود جعلت حياة الناس كئيبة لا تطاق. ورغم تداخل ألوان اللوحة وتعقيد خطوطها وتعدد مصادر الخطر والتوترات، إلا أن المسؤولية الأكبر تقع على الحكومة العراقية التي أدى أسلوب إدارتها إلى المزيد من المشاكل وباتت تصرفاتها مثيرة للشكوك حتى عند من لا ينتمي لهذه المنطقة ولا يدين بدين أهلها، على تعدد واختلاف طوائفهم، فالمعلومات تشير إلى أن الحكومة ماضية في التخلي عن دورها في مواجهة داعش، وأوكلت المهمة إلى مليشيا الحشد الشعبي التي تتحرك بأوامر قيادات مرتبطة بصورة عضوية بالجنرال سليماني، مسؤول العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني. والحكومة تدفع بهذا «الحشد» إلى محافظات العرب السنة بهدف السيطرة عليها تحت لافتة محاربة داعش.. وأخطر المعلومات عن التواطؤ بين المسؤولين الرسميين والمليشيات الطائفية ما أشار إلى أن حكومة بغداد أمرت موردي سلاح الجيش بتسليم المشتريات من الأسلحة والذخيرة إلى قادة المليشيات. ونقلت بعض التقارير الصحفية قول أحد مقاولي السلاح «الحكومة العراقية تحيل غالبية المشتريات من الأسلحة والذخائر إلى قوات الحشد الشعبي، وتعطي الجيش والشرطة كميات محدودة من الذخيرة ووسائل الدفاع»، ويكشف ذات المقاول صورة من هذا الواقع «ما أن تصل شحنة الأسلحة إلى مطار بغداد حتى ترى السلطات الأمنية تفتح الطريق لرجال المليشيات لنقل الشحنات إلى ناقلاتهم ثم يغادرون المطار.. بل إن السلطات الرسمية تزودهم بالوثائق والشهادات للكميات التي ينقلونها». وتشير المصادر الغربية إلى أن الجيش العراقي فقد 65 في المئة من معداته وأسلحته ما بين ما استولى عليه تنظيم داعش وما أعطته الحكومة لقوات الحشد الشعبي. هذا الواقع الذي تتكشف أبعاده، يوما بعد يوم، هو الذي يجهض أي عمل مشترك لمواجهة الإرهاب ويخلق بيئة حاضنة للغضب المولد لأعمال العنف، فحين تتخلى الدول عن دورها ومسؤولياتها وتسندها إلى مليشيات طائفية، يصبح الحديث عن مواجهة الإرهاب عبثا لا يقنع أحدا. الإرهاب يتهدد الجميع، وإذا كانت الدول تريد مقاومته، فعليها أن لا تسمح بقيام تنظيمات خارج مؤسسات الدولة، أما أن تبارك هذا النشاط، فهذا كارثة لها عواقبها الوخيمة.