من ضمن أسفاري التي سوف تنتهي حتما وقريبا، وذلك عندما أكون يوما ما على آلة حدباء محمول. تلك الأسفار التي هي كثيرا ما تضرب بالتيه على غير هدى، وكنت وقتها مجرد طالب (بوهيمي هيبي)، كنت مسافرا ليلا في الشتاء بالقطار وبالدرجة الثانية من ميلانو إلى فلورنسا، وقد غلبني وقتها النعاس + التعب + قرقعة القطار، فغطست بنوم عميق، وكأنني حقا قد انتقلت إلى العالم الآخر، ولم أفطن أو أفيق على حالي إلا و(كومساري) القطار يركل بقدمه على قدمي لكي يوقظني، نهضت مرتبكا وسحبت حقيبتي الثقيلة من الرف الأعلى التي سقطت على كتفي وكادت توقعني بالأرض، وخرجت من المحطة وذهبت إلى أقرب (بنسيون)، وفي الغرفة الصغيرة التي هي أشبه ما تكون بالزنزانة أخذت أخلع ملابسي، وأنا أنظر إلى السرير بشوق بالغ من شدة النعاس لكي أرتمي في أحضانه، تماما كما لو كنت في شوق لملكة جمال العالم لكي أصافحها وأربت على كتفها بكل احترام وتبجيل، وإذا بي أجد في جيب معطفي صورة ملونة لي، وأنا (فاغر) فمي أي فاتح فمي على الآخر. ويبدو أن الرجل الذي كان جالسا بمواجهتي معه كمرة تصوير (بلو رايد) من التي تظهر الصور في وقتها في ذلك الحين، وقبل أن ينزل في محطته أعجبه منظري المشوه، فالتقط لي الصورة ثم دحشها في جيبي وذهب. وما زالت الصورة في حوزتي حتى الآن، وكلما أردت أن أفجع أحد الأطفال أخرجتها له. *** «هناك أناس أغبياء ويدرون أنهم أغبياء، ويستخدمون غباوتهم بذكاء وخبث» هؤلاء احذروهم، رغم أن منهم زعامات ودعاة، ومن يمسحون الجوخ ويلعقون الأحذية كذلك. *** «تستطيع المرأة أن تقول بتنهيدة واحدة، ما يعجز الرجل عن قوله بموعظة طويلة» أعتقد والله أعلم أن المرأة لو أمسكت بمقاليد العالم، لأوصلته إلى ما يشبه (الجنة أو الجحيم)، وهذا من وجهة نظري البحتة أفضل من الحالة (الرمادية الهلامية) التي هو عليها العالم الآن. الذي لم يجرب مثلي كيف يكون مفعول تنهيدة المرأة، سوف يستسخف كلامي، ولكن ما عليه (شرهة)، فالتخلف العاطفي مرض مستحكم بثلاثة أرباع الرجال. *** يعتقد أن بعض الناس يحسون بالعزلة؛ لأنهم يبنون أسوارا بدلا من الجسور، ولكن خذها نصيحة مني: فإذا أردت أن لا تحس بالعزلة إطلاقا فاحفر (نفقا) واستمر بالحفر ولا تنهيه أبدا. *** «الضمير هو ذلك الصوت الخافت الذي يدوي أحياناً فيقض عليك مضجعك» ومع ذلك، لا أدري لماذا هو نومي هادئ جدا، إنني أنام كطفل، وأصحو كعفريت، هل ضميري (اتكل على الله) وأنا لا أدري؟! هذا ممكن، بل هذا أكيد (وأبصم بالعشرة) *** قال لي أحدهم: في الأمور الكبيرة يكشف الناس عن وجوههم التي يريدون أن يراها الآخرون، أما في الأمور الصغيرة فيكشفون عن وجوههم الحقيقية. أجبته: الحمد لله أن الكشف هو بالوجوه فقط، ولو أنه كان في غير ذلك كانت (علوم)؟؟.