للمساجد حرماتها، وللصلاة آدابها، حتى المشي للصلاة وقبل دخول المسجد له آدابه. لهذا منذ أن شببت على الطوق، وأنا أحاول التمسك بهذا كلما تشرفت بالذهاب إلى المسجد. وكأي إنسان قد يصادفني أحيانا حادث أو موقف أو منظر قد يعكر مزاجي، فأحاول بقدر ما أستطيع أن أحافظ على أعصابي وأسيطر على نفسي في عدم التورط فيما لا تحمد عقباه. غير أن حظي السيئ في أكثر الأحيان يدفعني دفعا إلى التورط في مواقف لا ناقة لي فيها ولا جمل، مثل ذلك الموقف الذي سبق لي أن ذكرته، ولا بأس أن أعيده لمن لم يسمع به ليأخذ منه عبرة، ولا يفعل مثلما فعلت، وخلاصته: أنه قبل عدة أشهر وبعد أن سلمنا بنهاية الصلاة، وإذا برجل أعمال ثري جالس بنفس الصف الذي أنا فيه، وحيث إنه يطلب من الله الأجر ويريد أن يتصدق خفية بحيث لا تدري يده اليسرى عن ما فعلت يده اليمنى، فما كان منه إلا أن يخرج (رزمة) هي عبارة عن عشرة آلاف ريال ثم يدحشها في جيب من كان بجانبه من العمالة الآسيوية، وأعتقد العامل المسكين أن ذلك الشيخ وضع يده في جيبه لكي يسرقه، فما كان منه إلا أن يمسك بحلقه ويطرحه أرضا ثم يوجه له صفعات متلاحقة على وجهه وهو يصيح قائلا: حرامي، حرامي، تدخل سائق الشيخ وبعض المصلين وأنا من ضمنهم، وما نابني إلا رفسة في بطني من ذلك العامل، وبعد عدة دقائق استطعنا أن نخلص رجل الأعمال المعروف من بين براثن ذلك العامل، وأعطيت الشيخ عدة مناديل (كلنكس) كانت بجيبي ليمسح بها الدم الذي ينزف من أنفه. وفي مسجد آخر، يوم الجمعة قبل الماضية، لا حظت أن الرجل الذي كان بجانبي قد غلبه النعاس، وأخذ رأسه (ينود)، وتذكرت على الفور الحديث الشريف القائل: إذا نعس أحدكم في المسجد يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذاك إلى غيره. واجتهادا مني أردت أن أنبهه، فلكزته بأصابعي في خاصرته، ويبدو أن لكزتي كانت قوية أكثر من اللازم، لأنه فتح عيناه مذعورا وهو يتأوه متألما، فالتفت لي مستغربا وعيناه يتطاير منهما الشرر، فعاجلته قائلا: قم وغير مكانك، وظن هو أنني قرفان ومتضايق من جلوسه بجانبي، فغضب من طلبي وأخذ يلجلج بكلمات ليس من اللائق أن أذكرها، ولكي لا أصعد الموضوع أكثر نهضت أنا وغيرت مكاني بعيدا عنه -خصوصا بعد أن تذكرت موقف العامل الآسيوي مع رجل الأعمال-.