في كلمته الضافية لدى استقباله كبار المسؤولين والمهتمين بمكافحة الفساد في القطاعين العام والخاص، أكد خادم الحرمين الشريفين بلغة واضحة ودلالات ناصعة على عدد من الثوابت الراسخة في نهج المملكة، أولها العدالة بأسسها الشرعية التي لا حصانة أمامها لأحد، حيث قال حفظه الله: «بإمكان أي مواطن أن يرفع قضية ضد الملك أو ولي العهد أو أي فرد من أفراد الأسرة»، ولمزيد من التأكيد روى الملك سلمان مثالا عمليا في أروع صورة واقعية للملك المؤسس طيب الله ثراه عندما صار بينه وبين واحد قضية، وتنازل الملك عبدالعزيز رحمه الله للمدعي عليه. هذا التأكيد من ولي الأمر على المساواة بين الجميع أمام العدالة رسالة ثقة مهمة للجميع في أنظمة قضائنا واستقلال القضاء؛ لضمان العدالة النابعة من مبادئ الشريعة الإسلامية التي دعت لحفظ حقوق الإنسان وحمايته، وإرساء الحكم في بلادنا على أساس العدل والشورى والمساواة. ولله در خادم الحرمين الشريفين في قوله رعاه الله: «رحم الله من أهدى إلي عيوبي إذا شفتوا شيئا، فيهمني حق المواطن أهم من حق نفسي»، وهنا نتمنى لو أن كل مسؤول وضع ذلك نصب عينيه. الأمر الثاني هو تأكيد خادم الحرمين الشريفين على مكافحة الفساد، وفي رسالة قوية لكل أجهزة الدولة والقطاع الخاص، ورسالة لكل مواطن بأن الفساد شر يجب مكافحته وتعزيز النزاهة والشفافية. فالفساد هو أخطر ما يهدد أي دولة وأي مجتمع في أخلاقه وتنميته واقتصاده؛ لذلك فإن مكافحته واجب ديني ووطني وأخلاقي، ولدينا من الأنظمة والتشريعات ومؤسسات الدولة ما يكفي لمحاربة أي فساد بأي شكل كان. لكن التحدي في التطبيق الدقيق والتفعيل المستمر لمعالجة أية ثغرات يتسلل منها الفساد، وردع ذوي الضمائر، خصوصا أن تقارير الأجهزة الرقابية تسجل كل عام حجم وطبيعة القضايا. الأمر الثالث في الكلمة الضافية هو النعمة العظيمة من الأمن والاستقرار، رغم خطر الإرهاب المتربص ببلادنا، وهو مدحور بإذن الله ثم ببسالة الأمن وتكاتف الوطن، وها نحن نرى دولا ضاع أمنها ومقدراتها ووحدتها. لذا علينا جميعا أن نتدبر تأكيد خادم الحرمين الشريفين على هذه النعمة بقوله: إننا «نشأنا من أرض هذه البلاد الحمد لله، وتكونت دولتنا بجهود أبنائها، وأنتم الحمد لله الآن أراكم من كل بلاد المملكة من كل مدنها متآلفين مجتمعين، جمعكم كتاب الله وسنة رسوله الذي قامت هذه الدولة عليه، وأننا في أمن واستقرار يروح الإنسان من أقصى البلد إلى أقصاها من الخليج إلى البحر الأحمر، ومن أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال هو ونساؤه أو أطفاله بدون ما يكون معه مرافق على ما قالوا في السابق، هي نعمة من الله ويجب أن نحافظ عليها». صحيح أننا مجتمع من البشر شأننا شأن كل المجتمعات، لكن لدينا من الخير والوعي وشكر النعم، ما يستوجب أن نعض عليه بالنواجذ، وتقوى الله في كل شيء، والمهمة الأكبر أمام أجهزة الدولة الرقابية والتنفيذية هي صون مصلحة الوطن في الأداء الإداري والمالي والرقابي، وتطوير أساليب العمل، والمتابعة الدقيقة من رأس كل جهاز حكومي لضمان سد ثغرات الإهمال والفساد؛ لتكون المحصلة تحقيق النزاهة، ومن ثم العدالة لصالح الوطن ولصالح الجميع. إن الوطن وأمنه واستقراره وتنميته وتقدمه وعلو شأنه وتعظيم قيم المجتمع، هي منظومة متكاملة أمانة في عنق الجميع لمواجهة التحديات الكبيرة والخطيرة، وما نتمنى تحقيقه على أرض الواقع تفعيل هذه الروح والمبادئ في كافة مفاصل الدولة والقطاع الخاص والمجتمع بمؤسساته التربوية والتعليمية والدعوية والأسرة. حفظ الله لنا قيادتنا الحكيمة وأدام عليها توفيقه، وعلى بلادنا الأمن والرخاء.