يرى الأكراد – على الأقل – أكراد سوريا أن مقولة الدولة الكردية التي يتشدق بها الكثير ما هي إلا اسطوانة قديمة لم تعد نافعة، فزمن الدولة القومية ولى منذ زمن فيما العالم بات يبحث عن مفاهيم أكثر تعايشا وانسجاما تجمع المجتمع جغرافيا وتدير شؤونه محليا.. والإدارة الذاتية الديمقراطية إحدى هذه النماذج.. التي يرون فيها حلا لمستقبل سوريا. لاحظنا سطوة فكرية قوية لأفكار عبدالله أوجلان في كوباني، ومن مقاربات أوجلان للأزمة السورية أنه ضد فكرة جر المدنيين إلى حمام دم.. لذا ومن وجهة نظره فإن عدم المواجهة المباشرة مع النظام السوري هي الخيار الأفضل، ليس لأنه قوي لكن لأن ظروف ومعطيات سوريا مختلفة.. أما تصوره لشكل النظام السوري فيرى أوجلان أنه أصبح نظام عصابة وليس دولة. أما فلسفة الإدارة الذاتية، فهي من وجهة النظر الكردية ليست انفصالا على الإطلاق وليست اقتطاعا للجغرافيا، بل يرون أن ما يقال عن الانفصال الكردي وإقامة الدولة هو محض جنون في ظل الحالة السورية القائمة على التنوع والانسجام المجتمعي. فلا يمكن لأي إدارة ذاتية سواء في عين العرب (كوباني) أو في عفرين أو في الجزيرة أن تنشئ علاقات خارجية وإنما هذا الأمر تابع للمركز فهو عبارة عن نظام مصغر للإدارة غير قادر على تقرير شكل الدولة وعلاقاتها الدولية والإقليمية، ولا يتورع الأكراد عن ممارسة النقد الذاتي لفكرة «الدولة» وهي إحدى أكبر التهم التاريخية لهم، ويقولون إن الإدارة الذاتية على أساس عرقي نظام فاشل ويؤدي إلى التقسيم.. من هنا يرون أن كوباني على سبيل المثال ليست للأكراد فحسب بل لكل المكونات الاجتماعية من عرب وتركمان وعرقيات أخرى.. ويعتبرون أنه إذا كان هناك 15 أو 20 % من الأكراد يريدون الانفصال فهذا يعني أن 70 % من السنة سيكونون في الجهة المقابلة وهذا هو التقسيم بعينه، لذا لا يريد الأكراد إدارة ذاتية لكوباني ووحدة لبقية سوريا.. وإنما تعميم نمط الإدارة الذاتية. سألنا الأوساط الكردية إذا كانت الإدارة الذاتية تعني الفيدرالية بأي شكل من الأشكال، فكان الجواب أن التجربة الفيدرالية ليست مطمحا كرديا كما هو الحال في كردستان العراق، فهو نموذج تقسيم لا لبس فيه يمزق وحدة الدولة كما هو واقع العراق شمال ووسط وجنوب.. تجربة كردستان العراق ترسخ تناحر القوميات والإثنيات وهي أفشل تجربة هو مشروع تقسيم متكامل. امتيازات الأكراد يتفاخر الأكراد بأنهم حالة سياسية وعسكرية متمايزة عن الحالة العربية، فهم يعتدون بوحدة القرار السياسي والعسكري، كما أنهم محميون من أية محاولات اقتتال (كردي كردي) أو حتى كردي عربي في المناطق المختلطة وذلك بسبب الغدارة الذاتية التي يحكمها كل أبناء المنطقة، فللعربي أو الكردي أو التركماني الحق في الإدارة وهي حالة متساوية بين الجميع. سألنا عن مستقبل وحدات الحماية الشعبية في سوريا، وبينوا أن التصور الكردي لسوريا يجب أن يكون تحت مظلة حوار موسعة تجتمع تحتها كل المكونات السياسية والعسكرية، وبالتالي لا مانع أن تكون هذه الوحدات تحت راية الجيش السوري الوطني على أن يكون ذلك في إطار حوار سوري عام لا يهضم حدود أحد. النموذج السويسري يبدو أن فكرة الإدارة الذاتية أخذت حيزا مهما في الجدالات الكردية، لذا وليس من فراغ يرون أن النموذج السويسري هو الأكثر واقعية للحالة السورية، فهو نظام قائم وفاعل منذ 700 سنة، هناك 3 لغات رئيسة وقوميات مختلفة وهذا النموذج الأكثر غنى في العالم، طالما هناك قبول لفكرة التعددية، ويؤكد الأكراد أنه لا مصلحة لهم في إقامة كيان منبوذ من الوسط العربي بل المصلحة تكمن في رفد فكرة الإدارة الذاتية التي لن تؤذي لا العرق ولا الدين ولا الانتماء وما زالت قائمة على فكرة سوريا للجميع.