ظلت حياة العرب قديما مؤسسة على القتال واشتعال الحروب، وسيطرت روح الحرب وأجواؤها على العرب زمنا طويلا، وتغلغلت في خصائص حياتهم وتسللت إلى مكامن أدمغتهم حتى باتوا يرون الحرب وأجواءها في كل ما يحيط بهم، حتى في علاقاتهم الرومانسية. ومن الظواهر التي تستدعي التوقف عندها للتأمل، ما نجده لدى شعراء العرب من تضمين شعرهم الغزلي صفات الحرب وأدواتها من نبال وأقواس وسيوف ودروع، حتى لتبدو حالة الحب عندهم نوعا من الحرب التي يجري فيها رشق النبال والسهام وسفك الدم، على شاكلة: أواه إن نظرت وإن هي أعرضت وقع السهام ونزعهن أليم **** ولو كان سهما واحدا لاتقيته ولكنه سهم وثان وثالث **** أبرزن من تلك العيون أسنة وهززن من تلك القدود رماحا يا حبذا ذاك السلاح وحبذا وقت يكون الحسن فيه سلاحا **** وهذه الحرب الرومانسية يبزغ فيها الجنود مدججين بالسلاح من كل جانب، ويتحالفون ويتآلفون فيما بينهم حتى ما يعود هناك أمل في النجاة من قبضتهم كقول أحدهم: غزتني جنود الحب من كل جانب إذا حان من جند قفول أتى جند **** كما أنها حرب لا تراعي حرمة الأشهر فتستبيح الدماء العاشقة في كل حين؛ كما قال شوقي: ريم على القاع بين البان والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحرم لما رنا حدثتني النفس قائلة يا ويح جنبك بالسهم المصيب رمي **** وفوق ذلك هي حرب ينعدم فيها السجال، فالحبيبة دائما منتصرة مهما بلغ إقدام المقاتل وشجاعته: أراميتي، كل السهام مصيبة وأنت لي الرامي فكلي مقاتل **** وكذلك دائما باغية، يبلغ بها الطغيان أن تقتل، فلا تقاد ولا حتى تدفع الدية!! قالت وقد فتكت فينا لواحظها ما أن أرى لقتيل الحب من قود **** خليلي هل ليلى مؤدية دمي إذا قتلتني أو أمير يقيدها **** ولكن لا بأس، فهي في النهاية تظل حربا قتيلها شهيد: يقولون جاهد يا جميل بغزوة وأي جهاد غيرهن أريد لكل حديث بينهن بشاشة وكل قتيل دونهن شهيد