بينما تقف قواتنا المسلحة، على طول حدودنا الجنوبية مع اليمن، صامدة بحسم منذ أن انطلقت شرارة عاصفة الحزم وتبعتها عملية إعادة الأمل لليمن، وأعداؤنا المتربصون بنا، أقلقهم وشل تفكيرهم هذا الإنجاز الباهر لقواتنا المسلحة دفاعا عن أمننا وعونا لأشقائنا في اليمن، فلجأوا إلى أساليب خبيثة وماكرة لمحاولة ضرب جبهتنا الداخلية، التي هي أساس ومصدر قوتنا الحقيقية. فبعد أن فشلوا فشلا ذريعا في مواجهة ندية عسكرية مع قواتنا على جبهات القتال وفي سماء اليمن، أخذوا يجربون حظهم بعيدا عن المواجهة العسكرية المباشرة فيستهدفون، باستماتة تقترب من محاولات الانتحار، مناطق حدودية ليس لها أية قيمة عسكرية حقيقية، إلا الإضرار بالمدنيين الآمنين على الحدود، فقط ليثبتوا نفسهم على الساحة الميدانية، ربما يساعدهم ذلك في إيجاد مواطئ قدم لهم في أي حل سياسي يمكن أن يتبلور لاحقا. لكن الأخطر في محاولات العدو هذه: محاولة استهداف الجبهة الداخلية، بعيدا عن ميادين القتال، للنيل من اللحمة الوطنية لأبناء الشعب السعودي عن طريق العبث بالورقة الطائفية، وكان التفجير الانتحاري في مسجد ببلدة القديح بالقطيف يوم الجمعة الماضي راح ضحيته 21 مصليا وعشرات الجرحى. عملا لا يمكن أن يقال عنه إلا أنه عمل خسيس جبان ذلك الذي يستهدف الآمنين بدون أية مراعاة لا لحرمة الدم.. ولا لحرمة المكان.. ولا لحرمة الزمان، ولا لحرمة واحدة من أهم شعائر الإسلام وفروضه وأركانه ألا وهي الصلاة. العمليات الإرهابية أضحت واقعا يعيشه العالم بأسره، وأصبح هاجسها الأخطر منذ انهيار نظام الحرب الباردة، إلا أنه قياسا بما تواجهه مجتمعات أخرى في المنطقة والعالم، ظلت المملكة العربية السعودية أكثر البلاد أمنا، بفضل الله ثم بجهود رجال الأمن، إلا أن حادث يوم الجمعة الماضي له دلالات خطيرة، سياسية وأمنية. بداية: في شكل العمل الإرهابي نفسه. لم يحدث أن تمنطق إرهابي «سعودي» بحزام ناسف وفجر به نفسه بين تجمع من البشر، كما حدث في مسجد الإمام علي بن أبي طالب ببلدة القديح بالقطيف يوم الجمعة الماضي. هذه أساليب إرهابية عرفتها مجتمعات حولنا ولم يحدث أن عرفنا بها من قبل؟! وكما سبق وذكرنا أنه لا يمكن فصل هذا العمل الإرهابي الجبان عن ما يحدث على جبهات القتال مع اليمن، فأهم المستهدفين من عاصفة الحزم وعملية إعادة الأمل هي جماعة الحوثي، التي فشلت فشلا ذريعا هي وجنود الرئيس المخلوع ومن ورائهم ملالي قم وسلاطين طهران في تحقيق أي إنجاز عسكري على الجبهة، فاستداروا ليلعبوا بورقة الطائفية البغيضة في منطقة بعيدة، ولكنها ليست بأقل خطورة من الناحية الاستراتيجية والأمنية. أيضا: لا يمكن أن نفصل هذا عن ما يحدث من تطورات على حدودنا الشمالية، وكان أهمها: ضم حكومة العبادي في بغداد أجزاء كبيرة من محافظة الأنبار العربية السنية بمحافظة كربلاء الشيعية، حتى يكون لقوات الحشد الشعبي الشيعية، المدعومة مباشرة من طهران، تواجد مباشر على حدودنا الشمالية مع العراق، مما يمكن إيران بأن تمركز قوات لها بصورة مباشرة، لأول مرة، على حدود المملكة الشمالية مع العراق، بالإضافة إلى تمدد التواجد الإيراني في سوريا ولبنان. إن عدونا الشرس، الذي يقبع في الجانب المقابل من الخليج العربي، يبدو أنه ماضٍ في مخططه التوسعي للهيمنة على منطقة الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية وحتى حدود العالم العربي الشمالية (شرق السويس)، على طول الحدود مع تركيا. كل شيء متوقع من هذا العدو الغادر، الذي يخشى المواجهة العسكرية المباشرة.. ويفضل خوض حروب يقوم بها حلفاؤه بالوكالة عنه.. كما يجيد مؤامرات الكيد الأمني الخسيس، بعيدا عن فروسية القتال الشريف في ساحات الوغى. الحذر من عدو كهذا واجب على الجميع، وليس فقط التصدي له هو مسؤولية المؤسسة العسكرية أو قوى الأمن. علينا جميعا أن نفتح أعيننا.. وأن نصيخ آذاننا.. ونوقظ جميع حواسنا، حماية لأمننا وذودا عن حمى وطننا.