من منا لا يعرف الفئران؟! تلك القوارض الصغيرة البغيضة الماكرة التي تتميز بالسرعة والجبن وخفة الحركة؟ تجيد الركض والقفز فوق الحوائط والجدران وتتميز بعض أنواعها البرية بالعدوانية والمكر البالغ، تلك الكائنات الحية المتطفلة المراوغة الكريهة المعروفة بنزوعها الفطري للقذارة، تتصف بأنها شديدة الجبن، تنقض على مقدرات الآخرين وتقتات على دمائهم ثم تختبئ في جحورها. في واقع الأمر، ما دفعني لكتابة هذه المقدمة التي قد تثير اشمئزاز البعض أو استغرابهم هو ما تشهده المنطقة العربية من أحداث سياسية مؤلمة وآخرها الحرب في اليمن، والتي تسبب في اندلاعها وفي إهدار دماء شعبها وأبنائها رئيسها السابق، وهو كذلك سبب محنتها وابتلائها لما يقارب العقود الثلاثة؛ بسبب انتمائه للفصيلة الفأرية من البشر إن جاز التعبير وهم فئة من البشر ممن يعشقون الاختباء والتخفي لتحقيق أغراضهم وأهدافهم الخبيثة، يجري الغدر في عروقهم وتستقر الوضاعة في نفوسهم، فها هو ذا علي عبدالله صالح يحكم اليمن لثلاثين عاما متتالية رافعا شعار: أنا أولا.. ومن بعدي اليمن، ليسقط أكثر من نصف الشعب اليمني تحت خط الفقر خلال فترة حكمه، قضى سنوات حكمه في إدارة الصراعات السياسية في بلاده بالمحاباة والفساد والرشاوي وشراء الذمم والنفوس، وقد هب أخيرا الشعب اليمني ثائرا ضد جوره وظلمه وفساده، واندلعت ثورة الشعب اليمني ضده واقتلعته من سدة الحكم، فخرج صالح من الحكم آمنا دون محاكمة ولم يتعرض لأي مساءلة. تناسى صالح أيادي الخير التي امتدت لانتشاله من غضب اليمنيين الذي تفجر ضده، وحمته من رغباتهم المستعرة للفتك به وبرجاله الفاسدين، فنجده وقد بدأ يستغرق في التفكير في كيفية نهشها وتمزيقها، أعاد صالح ترتيب صفوفه مرة أخرى وقرر التحالف مع الحوثيين لاستلاب السلطة الشرعية ومحاولة العودة لحكم اليمن مرة أخرى من الباب الخلفي، فصالح الفأر الماكر استطاع بدهائه وخبثه تحويل أعداء الأمس لحلفاء اليوم، وبغريزة فأرية يقبع في جحره يكيد المكائد ويصنع المؤامرات، دون أن يشعر بوجوده أحد، سلاحه السري قدرته على المراوغة والبراعة في الاختباء والاختفاء بين الشقوق وداخل الحفر والسراديب، إنه تماما كالفأر المنزوي في مخبئه حين يسطع عليه ضوء الشمس. وقد سطع ضوء الشمس فوق مخبأ صالح مبددا غيوم الظلام، وانطلقت عاصفة الحزم ومن بعدها عملية إعادة الأمل لتعيد الأمن والاستقرار والشرعية لليمن الشقيق ولجموع شعبه المسالم، ووجدنا صالح مرتبكا ومضطربا في خطاباته، فتارة يطلب العفو ويترجى ويلتمس المصالحة ويسعى للتهدئة، وتارة يصيح ويصرخ ويهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور، وما يحركه ليس بالطبع مصلحة اليمن ولا دماء اليمنيين، فكل ما يهمه هو خروجه الآمن وكل ما يؤلمه هو حطام قصره المقصوف، وهو الآن يطالب بحرب برية بدلا من الحرب النظامية، ولا يهمه بحور الدم التي سوف تسيل بلا محالة، فصالح يريد حرب شوارع قذرة، أو بالأحرى حرب فئران وضيعة، ففي الوقت الذي تستهدف فيه قوات التحالف العربي قصف مخازن الأسلحة والمعدات الحربية على اختلاف أنواعها والذخائر العسكرية التابعة للحوثيين؛ لشل حركتهم وتقليم أظافرهم دون إزهاق للأرواح البشرية ودون مساس بالنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، يريدها صالح حرب شوارع، حربا للكر والفر، قناصة ومرتزقة واستهداف لجنود كل طرف، يريد صالح اليمن مستنقعا يفيض بالدماء، يلج فيه اليمنيون بأقدامهم بدماء باردة ونفوس ضالة، إنها عقيدة الظلام والعفونة التي يجذرها صالح في نفوس جنوده، فتتسلل إلى أرواحهم كما يتسلل الفأر العفن إلى مخبئه، ملطخا بأقذاره وأوساخه وعفنه. علي عبدالله صالح مثله مثل غلاة الحكام الديكتاتوريين أمثال صدام حسين والقذافي يجب أن يلقى جزاءه المناسب، فاليمن لن يستقر أبدا ولن يشهد أي نوع من أنواع الاستقرار لو ظل صالح على قيد الحياة حيا يرزق يدبر ويتآمر للفتك باليمن وتمزيقه شر ممزق، والمنطقة العربية لن تشهد بدورها استقرارا واليمن مثخن بجراحه ومنهك ومرهق، لذلك فترسيخ استقرار اليمن والقضاء على أعدائه من أبنائه هو الخطوة الأولى لدعم الاستقرار الإقليمي بكامله، فلننتبه ونركز على الانتصار في حربنا الحالية لتحرير اليمن من عصابته السالبة لشرعيته، لنعيد له مكانته التي يستحقها، ونعيد لأبنائه الأمن والاستقرار والأمل في غد أفضل ومستقبل مشرق.