التناغم الفرنسي الخليجي له أسبابه ومحفزاته الموضوعية التي وضعت ثقلها على مختلف الأزمات التي تعاني منها المنطقة في حقب مختلفة وظروف متغيرة، وذلك في الوقت الذي أعطت فيه الإدارة الأمريكية انطباعا بأنها تهرول للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران في سباق مع التوقيت السياسي الأمريكي، متبعة سياسة برغماتية، بطريقة غير مسبوقة تجاه حلفائها التقليديين في المنطقة. جاء الموقف الفرنسي الذي حاول في بداية هذا المسلسل التفاوضي فرض شروط تعجيزية تناغمت مع الرؤى الخليجية ليعطي الانطباع بأن باريس هي المتفهمة الوحيدة للخطر الحقيقي الذي يمكن أن يترتب عن عملية رفع العقوبات عن إيران وتطبيع وضعها داخل المعادلة الإقليمي. وحول الأزمة السورية ظهرت إرادة مشتركة بين دول الخليج وفرنسا، حول نقطتين أساسيتين بدءا من إمكانية اللجوء إلى الحل العسكري لإنقاذ الشعب السوري من نظام فاشي مرورا بالتوافق على ضرورة ألا يكون بشار الأسد جزءا من الحل السياسي الانتقالي للأزمة السورية. وأخيرا، جاءت الأزمة اليمنية وانطلاق عملية عاصفة الحزم بقيادة سعودية والموقف المساند لباريس لهذه العملية سياسيا، ليكون حضور الرئيس فرانسوا هولاند القمة الخليجية أمرا طبيعيا يؤشر إلى حقيبة من التعاون السياسي والاقتصادي بين باريس والدول الخليجية. وفي قراءة تحليلية للإعلان المشترك الذي صدر بعد لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في الرياض، والذي جاء ليرسم خارطة طريق للعلاقات السعودية الفرنسية تدفع بقوة التعاون الاستراتيجي بين الرياضوباريس في الحقبة المقبلة، حيث أصر الزعيمان في بيانهما على إظهار مختلف أوجه التقاء وجهات النظر وتقييمهما المشترك لطريقة معالجة مختلف أزمات المنطقة. وبينما يعرف صناع السياسة والمراقبون أنه توافق طويل المدة، إلا أنه وصف بشهر عسل فرنسي خليجي بقيادة سعودية كما تقول وسائل الإعلام الفرنسية، حيث ذهبت صحيفة لوموند الشهيرة إلى نعت فرانسوا هولاند بفرانسوا السعودي، في إشارة إلى حجم التقارب بين دبلوماسية الرياضوباريس، نتج عنه خريطة تحالفات جديدة من شأنها التأثير الحاسم على الأداء الدبلوماسي الخليجي الفرنسي تجاه الملفات الساخنة الشرق أوسطية، وهو مصدر ارتياح للرأي العام الفرنسي والخليجي في آن واحد. وفي الوقت الذي يتوجه الزعماء الخليجيون إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية بدعوة رسمية أمريكية، جاء التأكيد الخليجي للوفاء بالاتفاقيات والشراكة الخليجية الأمريكية التاريخية الممتدة لأكثر من ثمانية عقود من الزمن، حتى وإن كان الشعور بالبرود الأمريكي تجاه ملفات المنطقة سيد الموقف عند الخليجيين، إلا أن السياسة السعودية الجديدة قد بنت أكثر من جبهة تحالفات دبلوماسية استراتيجية من شأنها التأثير على توضيح الموقف الأمريكي البارد، وإعطاء فرصة لواشنطن كي تتجه إلى تصويب علاقاتها مع الخليج، عسى أن تكون سحابة عابرة لا تلبث أن تتلاشى.