فرضت قمة مجلس التعاون الخليجي التي عقدت أول من أمس في الرياض، نفسها بين أحد أهم المواضيع التي تناولتها الصحف الفرنسية الكبرى الصادرة أمس، ذلك لأن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند حضر القمة بدعوة من القادة الخليجيين ليكون بذلك أول رئيس غربي يحضر قمة خليجية ضيف شرف. وتحت عنوان "دول الخليج تعتمد على فرنسا" اعتبرت صحيفة لوموند الفرنسية أن حضور الرئيس هولاند القمة الخليجية، هي المرة الأولى من نوعها لرئيس دولة غربية، وبمثابة رسالة واضحة من القادة الخليجيين قبل بضعة أيام من توجههم إلى الولاياتالمتحدة الأميركية للقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما. امتنان ورأت الصحيفة أن الخليجيين علاوة على أنهم أرادوا من دعوة هولاند التعبير عن امتنانهم إزاء مواقف فرنسا الصارمة والحازمة بشأن الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، لكنهم أرادوا في نفس الوقت أن يبعثوا برسالة "خيبة أمل" إلى واشنطن بشأن تعاطيها مع الملف السوري والإيراني. كما أن دول المجلس غير مرتاحة للتوصل إلى اتفاق حول برنامج إيران النووي. وتناولت صحيفة لوفيجارو الفرنسية القمة تحت عنوان "باريس تجذب الخليجيين بديبلوماسيتها" ونقلت الصحيفة عن أحد المسؤولين في باريس قوله إن دعوة قادة مجلس التعاون للرئيس الفرنسي لحضور قمتهم، هي "ثمرة المبادرة السياسية التي اتخذتها باريس منذ عامين من خلال توجيه الدعوة مرتين إلى قادة في جيوش الدول الخليجية لزيارة مراكز القيادة العسكرية في فرنسا". عقود عسكرية ونقلت الصحيفة عن أحد المسؤولين الفرنسيين في مجال الصناعة قوله إنه خلال سنة فقط أبرمت باريس نحو 13 مليار دولار من العقود العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وبناء على ما قامت به مع المملكة لصالح الجيش اللبناني، فإن باريس تسعى إلى القيام بالشيء نفسه مع الإمارات التي ستمول صفقة السلاح الفرنسي لتونس. حليف مهم فيما نشرت صحيفة التايمز البريطانية مقالا للصحفي هيو طوملينسون تناول تنامي الدور الفرنسي كحليف لدول الخليج، فقال "إن فرنسا تحل سريعا محل بريطانيا كأهم حليف أوروبي لدول الخليج، بعد زيارة هامة للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للمنطقة؛ وبالتالي أصبح هولاند أول زعيم أوروبي يشارك في قمة عربية في المملكة، بعد ساعات من الحصول على عقد دفاعي لبيع مقاتلات لقطر، وهو اتفاق سيقرع ناقوس الخطر في أروقة الحكومة البريطانية". ويضيف طوملينسون أن هولاند، بعد توقيعه الاتفاق الدفاعي الذي تصل قيمته إلى 4.5 مليار جنيه إسترليني في الدوحة، انضم لقادة دول مجلس التعاون الخليجي عند نقاشهم الأزمة في اليمن وسورية والاتفاق النووي بين إيران والغرب. ويقول طوملينسون إن السياسة المتشددة التي اتبعتها فرنسا في المحادثات مع إيران دعت الكثير من الدول الخليجية إلى النظر إليها بديلا عن بريطانيا كأقرب حليف غربي لهم وكأكثر شريك أمني يمكن الاعتماد عليه بعد الولاياتالمتحدة. وأصبحت فرنسا تحصل على اتفاقات تجارية وأمنية كانت في السابق ستكون من نصيب بريطانيا. تناغم فيما بثت إذاعة مونت كارلو الدولية الفرنسية تحليلا لأهمية قمة مجلس التعاون الخليجي، فقالت: "إن وقوف هولاند كأول زعيم غربي إلى جانب العائلة الخليجية يُعد سابقة سياسية قوية ستكون لها تداعياتها". هذا التناغم الفرنسي الخليجي له أسبابه ومحفزاته الموضوعية.. فعلى خلفية اندلاع العواصف السياسية التي هبت على المنطقة العربية ظهر تناغم فرنسي خليجي سياسي تام حول مختلف الأزمات.. فحول الأزمة السورية ظهرت إرادة مشتركة بين باريس ودول الخليج حول نقطتين أساسيتين بدءا من إمكانية اللجوء إلى الحل العسكري لإطاحة بالنظام مرورا بالتوافق على ضرورة ألا يكون الأسد جزءا من الحل السياسي الانتقالي للأزمة. أما بخصوص الملف النووي الإيراني ففي الوقت الذي أعطت فيه الإدارة الأميركية الانطباع بأنها تهرول للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران في سباق مع التوقيت السياسي الأميركي، متجاهلة بطريقة غير مسبوقة تخوفات حلفائها التقليديين في المنطقة. جاء الموقف الفرنسي الذي حاول في بداية هذا المسلسل التفاوضي فرض شروط تعجيزية تناغمت مع المخاوف الخليجية ليعطي الانطباع بأن باريس هي المتفهمة الوحيدة للخطر الحقيقي الذي يمكن أن يترتب عن عملية رفع العقوبات على إيران وتطبيع وضعها داخل المعادلة الإقليمية. وجاءت الأزمة اليمنية وانطلاق عملية "عاصفة الحزم" بقيادة المملكة والموقف المساند لباريس للعملية لترسخ بشكل كبير هذه الشراكة الاستراتيجية بين باريس وعواصم الخليج، وتجعل من حضور فرانسوا هولاند هذه القمة الخليجية أمرا طبيعيا يؤشر إلى حقبة من التعاون السياسي والاقتصادي.