يحدث أن يكون الوجع أصيلا لا تحلو له الإقامة إلا بأشياء ممتدة الحياة لسنوات، كشجرة مثلا حزنها أبدي حتى وإن منحها حطاب مسن موتا رحيما بفأسه الحادة، ستبقى حياتها ممتدة؛ تأخذ أشكالا أخرى، فتارة طاولة مدرسية تخربش عليها مراهقة عينا كبيرة بجفن منتفخ يختزل كل البكاء. أو قد تكون سريرا خشبيا يطلق أحزانه كوابيس لشاعر مغمور ووحيد. أو قد تكون بابا يقضي حياته ملوحا للمودعين. أو ربما نافذة أنهكتها وعود العاشقين. أو كرسيا في محطة عمومية يلعق مرارة الانتظار يحتضن العابرين. أو إطارا خشبيا لصورة تطل على عوالم الفقد. أو ورقا لشاعر يسأل نفسه كل مرة من أين يأتي كل هذا الحزن؟ وحده الوجع العابر يسكن غيمة؛ يتلاشى حالما يتهاطل المطر..