ذاكرة الناس هي الديوان الحقيقي للشاعر.. هكذا قال الشاعر الجميل محمد النفيعي حول رؤيته للشعر والدواوين وقيمتها الثقافية والإبداعية.. واليوم نتناول تجربته الشعرية وجزءا من حياته المحاطة بالوجع الطويل.. لم يكن النفيعي (محمد) شاعرا وكفى، لكنه كان مسكونا بالشعر ومهموما بقضاياه، يحمل هواجس الفنان الذي تطرأ أمامه الأسئلة المعتلة الآخر، فيبحث عن إجابة لها من خلال أبيات شعرية تتوزع مثل غيم عريض في مختلف قصائده، ثم يحاول زرع أسئلة شعرية أخرى.. لم يغادره الشعر في لحظة ما.. منذ أن قبض عليه ذات قصيدة.. وظل وفيا للشعر، لكن تحولات الزمن لم تكن وفية معه على الإطلاق.. نستطيع القول إنه صاحب تجربة خاصة في كتابة النص العامي الذي يكتب بلغة ثالثة تزاوج بين الفصيح والعامي الحداثي.. شعره له رؤيا متجددة وفي كل نص له نعثر على قضايا الإنسان وأزماته وجدله الحي.. لكن قلبه الأبيض صار يعاني من الوجع، فصار صديقا للأطباء يفحصون قلبه ويصغون لبوح ونبضات قلب الشاعر الذي يداهمه الألم والمرض بين فترة وأخرى، غير أن إيمانه العميق هو سلاحه في مواجهة صعوبات الوجع الممتد في صدره النحيل.. وهو أيضا مسكون بسمو وعزة وكرامة البدوي الأصيل يتشبث بها؛ لأنها جزء من تكوينه فهو لم يطلب حتى العلاج في كثير من الأحيان.. تعب بالفعل قلب الشاعر النفيعي تعب قلبه المثقل بالحب وظل وحيدا إلا من بعض الأصدقاء الأوفياء الذين يلاحقون بوحه حتى على موقع التواصل الاجتماعي(تويتر) يقول: المستحيل إنك بها الوقت الردي تلقى مثل حزنك خليل هكذا هو الشاعر يلوم هذا الأوان يلوم زمن المرحلة وقسوتها على قلبه.. لكنه حين ينكره الأصدقاء يظل حزنه الصادق هو الرفيق والصديق الذي يلازم.. وينشغل محمد النفيعي بالمعنى والمعاني في معظم قصائده فهو هاجس شعري لديه، وهذا ما جعله يتميز ويأتي إبداعه خلاقا ففي مثل هذا النص نجد محاور عديدة تحضر : الشعر/ الأنثى/ المرحلة/ الحب/ الوجع.. يقول: شارد المعنى حبارى والقرايح بندقيه المعالي نجم عالي ما تطوله أمنيات الشعر بن السوالف والقصايد شاذليه الزمن بنت عفيف وصادق الموعد عباة كل ما ذعذع هوى الغربي على نجد العذيه ولع النسيان ناره من رماد الذكريات اتذكر يوم ناحت فوق غصني راعبيه قلت لي مات الضمير ولا سألتك كيف مات كان يا ما كان حبك كان ما مثله وزيه كان علقمك ومرارك في فمي سكر نبات كنت من طيبي اعده كل ما هو لك ليه كنت لا منّي عطيتك ما انتظرك تقول: هات وان يمينك صافحتني صار قلبي هو يديه صرت مدري هي يمينك أو يمين الذاريات خابره قلبي حظوظه فالهوى دايم رديه خابره لا قال: روحي، يا هموم الوقت جات ولعل من اللافت في رحلة النفيعي أنه يخلص للشعر ولبعده العميق ولا يهتم بالأضواء ولا يفتش عنها؛ لأنه مؤمن بتجربته وبوعيه وبذائقته رغم أنه عمل في بلاط صاحبة الجلالة ويتميز بعلاقات واسعة، لكن كان يؤثر على نفسه الظهور المستمر، فهو يرتاح لوجع القصيدة بعيدا عن الأضواء والضجيج.. نسأل الله أن يشفيه شفاء تاما.. من أجله ومن أجل أسرته ومن أجلنا جميعا..