تقول غادة السمان، تخاطب من أحبت بعد أن تخلى عنها وتركها تحترق بنار الخذلان: «انطفأ الحريق، اجتزت مرحلة الجمر، دخلت الآن زمن الرماد!! احترقت مائة ليلة وليلة، انصهرت، فعدت امرأة صلبة لا تقتلها الأحزان، ولا تكسرها الخيبات، من خلف سحائب الحزن يلوح قلبي عائدا إلي. أفتح أضلعي أستعيده بعد أن قذف خارجه ما بقي من رفات قصتنا.». ما تقوله غادة السمان ليس خاصا بها وحدها، وإنما هو صورة واقعية صادقة لما يحدث غالبا للإنسان إثر تعرضه لما يؤلم مشاعره، فقد وهب الله البشر قدرة فطرية على تجاوز الآلام والارتقاء فوقها، ليس هذا فحسب، وإنما أيضا وهبهم القدرة على فتح صفحة جديدة خالية من الشوائب يرسمون عليها ما يشاءون من البسمات الطازجة. لكن بعض الناس تغيب عنهم معرفة تلك الحقيقة التي فطرهم الله عليها، فتجدهم عند التعرض لمحنة نفسية مؤلمة، ينهارون، تخذلهم أعصابهم، فتسود الدنيا في عيونهم، يظنون أنهم لن يبتسموا ثانية، وأن لا شيء يمكن أن يجبر قلوبهم الحزينة، أو يقشع سحابة التعاسة بعيدا عن حياتهم. ويكون الوضع أسوأ، إذا نظرنا إلى المرأة كما تظهر في كثير من الكتابات التي تتحدث عن النموذج التقليدي لها، فحسب ما تقوله تلك الكتابات تظهر المرأة بالغة الضعف والهشاشة عند تعرضها لما يجرح عواطفها، فهي آنذاك لا تبالي أن تبذل شيئا من كرامتها وكبريائها سعيا وراء مداواة جراحها العاطفية، وقد تجدها أحيانا تقبل بالفتات، وتحتمل الظلم، وتصمت أمام الغدر والخيانة وربما الإيذاء البدني، نزولا عند إرضاء مشاعر واهمة كالرغبة في عدم التفريط بمن أحبت، أو لشعورها أنها لن تستطيع العيش إن هي غيرت وضعها وعمدت إلى خلع الثوب الذي ألفته وتعايشت معه. لكن غادة السمان، من خلال عباراتها القوية تلك، تخط نموذجا آخر للمرأة مختلفا، نموذجا تتمثل فيه القوة النفسية التي ينبغي أن تكون عليها المرأة عندما تواجه مواقف عاطفية تتعارض مع الكرامة وتمس الكبرياء، رسالة غادة للمرأة هي أن تتعلم الصمود أمام الانفعالات الحزينة الحارقة التي لا يسلم أحد من التعرض لها، وأن تتعلم كيف تحتمل الحرقة بصبر وسكون حتى تأكل النار نفسها فتنطفئ. إن كل ما يحتاج إليه الإنسان، المرأة والرجل هو الصمود، عليك أن تصمد وتصمد، حتى تتم الفطرة دورتها، فتخمد مشاعر الألم داخلك لتخرج بعد ذلك إنسانا جديدا.