لا يمكن أن تستيقظ من النوم لتقرر فجأة بأنك تنوي أن تصبح كاتبا، لأن الكتابة بالتحديد لايمكن أن تقررها أنت متى وكيف ولماذا.. هذه أسئلة تطرح بعد أن تفرغ ما في رأسك على الورقة لا قبل، ما يحدث أننا في زمن الكتاب الذين قرروا أن يصبحوا كذلك وتعلموا الأدوات وأعدوا العدة بل وبعض تجار الوهم أقاموا دورات في الكتابة أيضا وهنا أفصح عن رأيي فيها بكل شفافية، أسألهم فقط هل يمكن أن تعلم صيد السمك لمن لا يملك سنارة؟ الجواب: بلا شك لا. لا بد أن يملكها أولا أن تكون لديه الأدوات. حسنا السؤال الثاني هل سيتقن صيد السمك من لا صبر عنده؟، الجواب: لا بالطبع صيد السمك يحتاج أن يكون لدى الشخص قليل من الصبر يمكنه من احترافه. إذن فلا يمكن بأي حال أن نعلم الكتابة للناس، لا أتحدث هنا عن صف الكلام وترتيب الجمل واستخدام مفردات من المعاجم، أنا أتحدث عن ذلك الشيء الذي يلامسنا في أعماقنا حين نقرأ قصة ما أو رواية أو نصا مهما طال أو قصر، في داخلنا شيء ما لا أعرف كنهه هذا الشيء يهتز يتبعثر وتطول مدة هذه الحالة أو تقصر حسب ما يعطي الكاتب من هذا الشيء في نصه، وهذا الشيء الذي أقول مرارا أنني لا أعرف حتى اسمه هو ما يجعلنا نمسك كتابا من خمسمائة صفحة فلا نضعه حتى ننتهي منه شغفا به وشوقا للصفحة التالية. وفي هذا كلام مهم للكاتب تشارلز بوكوفيسكي، حيث قال «هناك مشكلة لدى الكتاب؛ إن نشر ما كتبه الكاتب وباع الكثير، الكثير من النسخ، يظن الكاتب أنه عظيم. إن نشر ما كتبه الكاتب وباع عددا متوسطا من النسخ، يظن الكاتب أنه عظيم. إن نشر ما كتبه الكاتب وباع عددا محدودا من النسخ يظن الكاتب أنه عظيم. إن لم ينشر ما كتبه الكاتب ولا يكون لديه المال لينشره بنفسه، بالتالي يظن أنه عظيم جدا. الحقيقة على كل حال هو أنه لا توجد الكثير من العظمة. هي تقريبا غير موجودة، غير مرئية. ولكن يمكنك أن تكون متأكدا من أن أسوأ الكتاب لديهم أعظم ثقة، وأقل تشكك في النفس. على كل حال يجب تجنب الكتاب، وأنا حاولت تجنبهم، ولكن هذا كان مستحيلا بشكل كبير. هم يأملون في نوع من الأخوية، نوع من التجمع. ولا علاقة لهذا بالكتابة، ولا يفيد هذا أمام الآلة الكاتبة». قد يغضب هذا الكلام بعض الكتاب من لا يرون بأسا من التسويق لأنفسهم وعرض بضاعتهم للمارة كبائع متجول لم يعد عنده ما يغري النساء ليتوقفن قليلا يقلبن البضاعة فاضطر لخدع بسيطة ليتوقف على الأقل أطفالهن وقد لفت انتباههم المهرج الذي يقوم بتصرفات لا تشبهه لكنها حيلة حتى يلتفت له أحد ما ويشتري بضاعته المزجاة! ويجب أن أذكر أنني لا أصادر حرية أحد في التسويق لنفسه لكن من وجهة نظري أرى أن الكتاب الجيد سيجده القارئ الجيد بدون تسويق مبتذل ولا طبعات متتالية ولا حتى الأكثر مبيعا، حين سئل الروائي السوداني أمير تاج السر عن الكتابة قال «إن ثمة جرثومة مبدعة، تعشش في الدم، ولا تخرج أبدا، لكن وقت ظهورها ربما يتأخر عند البعض، أو تحجبها مشاغل معينة وأولويات، عن الظهور»، إذن فالكتابة شيء ينبع من الداخل لن تستطيع أن تقرر أن تصبح كاتبا، شيء ما داخلك يخرج يوما ما اسمه كتابة لا تستنطق الأحرف اجعلها تنطق من تلقاء نفسها لا تستحث الكلمات اجعلها ترتسم أمامك على الورقة أو على الشاشة لن تكتب نصا عظيما إلا حين يخرج منك لا أنت من يخرجه، النص العظيم الذي بعد أن تكتبه تبكيه وكأنك تقطع جزءا منك على الورقة، النص العظيم الذي تقرأه بعد كتابته فتشعر بالغيرة من أن يقرأه أحد وقد تحتفظ به لفترة حتى تقرر أن تنشره بعد ذلك، اكتب كأنك ستموت غدا، اكتب كأنك ستعيش أبدا، اكتب كل فكرة تخطر ببالك لا يشغلك كونها جديدة أو سبق وفكر بها أحد ما قبلك اكتبها وحسب، وبالنسبة لما يعرف بطقوس الكتابة أعتقد أن أعظم الروايات كتبت في أسوأ الظروف بل الكثير من الكتب كتبت خلف الزنزانة، الكتابة تتنزل وكأنها الوحي قد تشعر برغبة ملحة لتكتب في وقت أنت لا تملك قلما فتضطر لإخراج هاتفك للكتابة بداخله وقد تكون حينها تمشي في الشارع أو حتى تمارس رياضتك اليومية وقد تداهمك الكتابة على حين غرة وأنت غارق في أوراق مكتبك في العمل فتترك أوراق العمل وتتناول القلم وتدون ما في رأسك، الأفكار كنهر لا يوقف جريانه أحد، الكتابة شلال ينهمر من الأعلى ولن يوقفه إلا الصخور التي في الأسفل ليتابع الجريان بهدوء بعد ذلك، وأختم بسر صغير أهمس به في أذن الكتاب، الحب والحب وحده وجوده أو فقده هو من يجعلك كاتبا عظيما، كن كاتبا عظيما أو لا تكن..