في الواحد والعشرين من ديسمبر، عام 1988، أقلعت طائرة البوينج 747 التابعة لشركة الخطوط الأمريكية Pan Am، من مطار هيثرو بلندن في طريقها إلى مطار جون إف كينيدي بمدينة نيويورك. ما هي إلا دقائق معدودة حتى انفجرت هذه الطائرة في السماء لتتسبب في مقتل 270 شخصا (243 راكبا، 18 من طاقم الطائرة، 11 شخصا من سكان مدينة لوكربي في إسكتلندا). كان حدثا كبيرا بمعنى الكلمة أدى إلى تبعات دولية كبيرة لأكثر من عقدين من الزمان. تخيّل سقوط طائرة بحجم هذه الطائرة كل يوم لمدة سنة كاملة! نعم سقوط طائرة ومقتل 270 شخصاً يوميا! ألم يكن ذلك كافياً لإيقاف، ربما، جميع الطائرات لجميع شركات الخطوط في العالم؟! وربما إعادة نظر البشرية في الطائرة كوسيلة مواصلات، ولا أستبعد اكتفاء الغالبية العظمى من الناس بالسيارة وربما السفن (بما فيهم سفينة الصحراء) بدلا من الطائرة! ماذا لو قلت لك إن «العدوى التي تصيب المرضى في المستشفيات» تتسبب في وفاة 99 ألف مريض كل عام في مستشفيات الولاياتالمتحدةالأمريكية فقط؟ بمعنى آخر: تتسبب عدوى المستشفيات فيما يعادل سقوط طائرة بوينج 747 يوميا في أمريكا! بناء على إحصائيات منظمة الصحة العالمية، تتسبب «عدوى المستشفيات» (Healthcare Associated Infections) في وفاة 99 ألف أمريكي سنوياً، و37 ألف أوروبي سنوياً. ماذا عن المملكة؟ للأسف ليس هنالك إحصائيات دقيقة ولكن تقدر منظمة الصحة العالمية حجم المشكلة في الدول النامية بثلاثة أضعاف المشكلة في الغرب. فإذا قلنا إن نسبة العدوى في مستشفيات أمريكا تعادل واحدا لكل عشرين مريضا، فإن حجم المشكلة لدينا هو حوالي 3 - 4 مرضى لكل عشرين مريضا منوّما في مستشفيات المملكة (وقد تصل إلى أكثر من 50% من مرضى العناية المركزة). شاهدنا جميعا حجم المشكلة التي تسبب بها فيروس الكورونا المسبب «لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية» وكيف تمكن من حصد أرواح الكثير من المرضى والممارسين الصحيين (أطباء وتمريض) بشكل لم يسبق له مثيل في مستشفيات المملكة. ماذا لو قلت لكم إنه مع عظم حجم مشكلة عدوى المستشفيات، فإن السياسات والقوانين للتعامل معها وتجنب الإصابة بها ليست بالمعقدة، ولكنها «سهلة ممتنعة». سهلة: في تطبيقها ولكن ممتنعة: لقلة الالتزام بها من الممارسين الصحيين لأسباب كثيرة يطول شرحها! ويمكن تلخيص هذه السياسات والقوانين في أمور بسيطة: 1- غسل اليدين بالمطهرات من قبل الممارسين الصحيين قبل فحص ومعاينة أي مريض. 2- لبس الكمامات الواقية في حالة التعامل مع مرضى أمراض الجهاز التنفسي. 3- عزل المرضى المصابين بأمراض تنفسية معدية مثل الدرن أو كورونا. عدوى المستشفيات وعلى رأسها «كورونا» كان ولا زال من أكبر التحديات التي تعاني منها النظم الصحية في العالم (سواء كانت غنية أو فقيرة) ولكن مازاد من حجم المشكلة في المملكة (زاد الطين بلة!) هو مشاكل القطاع الصحي السعودي المتمثّلة في النقص الكبير لأطباء الأسرة، مع ضعف الدور الذي تقدمه مراكز الرعاية الصحية الأولية، أضف إلى ذلك الزحام الشديد المتواجد في طوارئ المستشفيات الكبرى وغياب تفعيل القوانين والسياسات للتقليل من العدوى. أعود من جديد وأنادي بإعادة هيكلة القطاع الصحي السعودي والتي سيكون لديها فوائد كبيرة على الوطن والمواطن وأحد هذه الفوائد هو تقوية استعدادية وجاهزية القطاع الصحي للتعامل مع الأوبئة مثل فيروس كورونا. حتى ذلك الحين، أوصي نفسي وزملائي في القطاع الصحي بغسل أيدينا بالمطهرات قبل فحص ومعاينة المرضى، وأوصي المرضى أن يطالبوا الأطباء وطاقم التمريض بعدم فحصهم ومعاينتهم قبل أن يغسلوا أيديهم. بمعنى آخر: أن يذكّروهم بالسهل الممتنع!