دعتني كلية الطب في جامعة الملك خالد بأبها لإلقاء بعض المحاضرات. الكلية كان لي شرف الإسهام في تأسيسها قبل أكثر من 30 عاما، وهي اليوم معلم حضاري في منطقة عسير، أخرجت منذ إنشائها في عام 1980م نحوا من ألفي طبيب وطبيبة، ويقود مسيرتها اليوم عشرات من الإداريين وأعضاء هيئة التدريس في جميع التخصصات الطبية أكثرهم من أبنائها الذين تخرجوا منها وعلى رأسهم عميدها الأستاذ الدكتور عبد الله عسيري. سعدت بلقاءاتي مع معالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الداوود، وأعضاء هيئة التدريس، والطلاب. وكانت هناك حوارات ومناقشات أثرتني، ولم يسعدني شيء قدر ما أسعدتني روح العائلة التي لمستها عند الجميع. لنشأة كلية الطب في أبها قصة يروق لي أن أرويها. في عام 1979م تكونت لجنة وزارية من معالي وزراء التعليم العالي، والصحة، والتخطيط، لبحث وضع التعليم الطبي في المملكة وسبل تطويره. يومها كان في المملكة ثلاث كليات طب فقط في الرياضوجدة والدمام (لدينا اليوم 25 كلية طب وعلوم صحية). كلفنا معالي الشيخ حسن آل الشيخ وزير التعليم العالي رحمه الله أنا وزميلي الدكتور سامر إسلام من وزارة الصحة والاستاذ عبد الرزاق القين من وزارة التخطيط بإعداد دراسة عن مدى حاجة المملكة إلى المزيد من كليات الطب. خلصت الدراسة التي قمنا بها إلى أن المملكة في حاجة إلى مزيد من كليات الطب والعلوم الصحية لمواجهة احتاجيات المملكة الآنية والمستقبلية للقوى البشرية العاملة في الخدمات الصحية، واتخذ القرار بإنشاء كلية طب رابعة، واستقر الرأي على إنشائها في أبها. واحتضن سمو الأمير خالد الفيصل أمير منطقة عسير فكرة المشروع، وأنشئت الكلية. بدأت الكلية بداية متواضعة في فيلا صغيرة مستأجرة عند مطلع الطريق إلى السودة. وطلب مني معالي الوزير أن أحدد صلاحياتي كعميد لها على أن يكون اتصالي مباشرة معه، فوضعتها في صفحة واحدة ساعدني فيها الصديق الدكتور بكر بن بكر عميد كلية البترول والمعادن يومذاك، وكانت هي نفسها صلاحيات الوزير أو تكاد، ورصد لإنشاء الكلية خمسة ملايين ريال. بدأنا الحلم الكبير بمجموعة صغيرة من أعضاء هيئة التدريس والإداريين منهم السعودي والعربي والبريطاني والأمريكي، ولا أنسي طباخنا السريلانكي. بدأنا الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل بروح العائلة التي مازالت آثارها موجودة إلى اليوم. وكانت لنا فيها ذكريات لا تنسى.