الحروب، وما أدراكم ما الحروب؟!، فلها (بروتكولاتها) العجيبة. فمثلا: كان ملوك (سيتيا) القديمة يوزعون غنائم الحرب حسب نسب حسابية في غاية البساطة، كان الجنود يقدمون رؤوس أعدائهم الذين قتلوهم، وكان عدد الرؤوس هو الذي يحدد حصة كل فرد، أما الذين لا يقدمون رؤوسا لا يحصلون على شيء إنه منتهى (العدل). معروف عن الشعب الياباني (التضحية العمياء)، والتي قد يعتبرها البعض شجاعة، وقد يعتبرها البعض شيئا من الجنون. فالعادة في كل الشعوب، تقريبا، أن الذي يضحي بنفسه لا بد قبل أن يقدم على ذلك أن يفكر بأهله وأحبابه، وهو يأمل بعد ذلك أن يأخذ أجرا ومثوبة من خالقه، أما الياباني فهو يمسح كل هذا من عقله. ومثلما هو معروف أنه إبان الحرب بين اليابان وروسيا، أراد قائد الأسطول الياباني أن يغلق ميناء (بورت ارثر) بإغراق بارجة فيه، وطلب سبعة وسبعين متطوعا ليتوجهوا بإحدى البوارج إلى داخل الميناء وينسفوها فيه، فتقدم إليه ما يزيد على ثلاثة آلاف متطوع، وكلهم يريد أن يكون له شرف القيام بتلك المهمة، مع أن إنجازها يعني الموت المحقق. وبعد الفرز اختار القائد (77) منهم فقط، والغريب أن بعض من لم يقع عليهم الاختيار انتحروا كنوع من الاحتجاج، لأنه لم ينلهم الشرف من تنفيذ هذه العملية الانتحارية. بعكس تلك الرواية هناك رواية أخرى أظن أنها خيالية ومع احترامي للشعب الإيطالي فإنه يقال: إن الزعيم الدكتاتور الإيطالي (موسوليني) وقع اختياره على عشر فرق من أفضل فرق الجيش لتكون في طليعة الحملة بمثابة رأس الحربة لعملية هجومية حربية، وكانت كل فرقة تتألف من عشرة آلاف جندي. واصطف رجال هذه الفرق في ميدان (بلاتزا) بروما، وأطل عليهم موسوليني من شرفة قصره العظيم، وصاح فيهم بصوته الجهوري: إنني أعلم أن كل فرقة في جيشنا الباسل تتمنى أن يكون لها هي شرف الابتداء بالهجوم، ولذلك أرى أن أترك للأقدار اختيار الفرقة التي ستحظى بهذا الشرف. وبحركة مسرحية كعادته انتزع موسوليني ريشة من قبعته، وقذف بها في الهواء قائلا: إن الجندي الذي يلتقط هذه الريشة، سيكون لفرقته مجد البدء في الهجوم قال ذلك، وانسحب إلى غرفة مكتبه، وجلس في انتظار النتيجة. وانقضت ساعة، دون أن يسمع هتافا، أو يأتيه من ينبئه بالنتيجة، فاستغرب ذلك وأطل من نافذة الغرفة ليرى ما حدث، فذهل عندما وقع بصره على مائة ألف جندي وكلهم ينفخون في الهواء بكل قواهم ليمنعوا الريشة من السقوط عليهم انتهى. ولو أن ربي قد خلقني إيطاليا، وكنت جنديا في إحدى تلك الفرق، فيمين بالله، لكنت أنا أشدهم نفخا. أليس من أبجدياتنا المثل القائل: جبان جبان ، ولا الله يرحمه؟! إنني أحترم أبجدياتنا، ولو أن هناك تمثالا ينصب للخوف أقصد للشجاعة لكان قد نصب لي من زمان في (باب شريف) بجدة، حيث لي فيه صولات وجولات. وختاما، ما أسعد هؤلاء الرهبان القابعين في أحد أديرة الجبال، عندما زارهم صحفي سنة 1946 يسألهم عن مشاعرهم بعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية، فتعجبوا من سؤاله؛ لأنهم لم يعلموا أصلا أن هناك حربا قد وقعت!!. [email protected]