هذه الدنيا مليئة بالعجائب، فقد تمكنت فتاة لم تبلغ من العمر الخامسة والعشرين من جمع ما يقارب 500 مليون ريال من عدد هائل من الرجال تحت عنوان المساهمات العقارية وهي محتجزة الآن لدى شرطة جدة، الصحافة المحلية أطلقت على هذه الفتاة اسم (فتاة الوهم) لأن مساهماتها العقارية كانت أوهاما تطارد أوهاما، ولكن الاسم العادل لها هو (فتاة الواقع) فبعد مشاكل مساهمات سوا والبورصة العالمية وغيرها من المساهمات الوهمية أو شبه الوهمية أو المتعثرة فإن الواقع يؤكد وجود مئات بل آلاف الرجال الذين يمكن أن يضحوا بأموالهم ركضا وراء أوهام لا ضمانات لتحقيقها، والواقع يقول بأن النظام التجاري ما زال يحمل من الثغرات ما يكفي فتاة في مقتبل العمر أن تطير بنصف مليار ريال وتترك الضحايا الواهمين يتقاسمون الشكاوى في أقسام الشرطة.. (والشكوى لله)!. تبدو التفاصيل التي نشرتها الصحف حول هذه القضية متداخلة وغامضة ومنها شيكات بدون رصيد أو شيكات بتوقيعات مختلفة ولكن في كل الأحوال هناك نصف مليار طار في الهواء الطلق أمام عيون الضحايا وتحت نظر الجهات العديدة التي لا تكل ولا تمل من ابتكار الأنظمة المعقدة فيأتي نصاب صغير أو نصابة مبتدئة فنكتشف أن كل هذه الأنظمة ليست إلا وهما كبيرا. على أية حال قصص النصب موجودة في كل مكان في العالم والأشخاص المستعدون دائما لأن يكونوا ضحايا لعمليات النصب متوفرون في كل بلد، ولكن ما يحز في النفس فعلا أن قصص النصب عندنا لا تحتاج إلى إبداع أو خيال واسع أو تكتيك دقيق وإلا لما نجحت هذه الفتاة في الحصول على نصف مليار ريال في غمضة عين دون أن تكون هناك حاجة لحملات إعلانية ضخمة للمشروع الوهمي ومجسمات تمرر الوهم وأراض تقرب الوهم من الحقيقة، فالاستثمار في مخططات الأراضي البيضاء أمر شائع لقلة البدائل الاستثمارية ولشدة المخاطرة في سوق الأسهم وما هو أهم من ذلك ضعف الضوابط وارتباك الأنظمة وقلة الوعي عند بعض المستثمرين. لذلك أتمنى من الإخوة النصابين الكرام أن يتساموا على الواقع وأن يبادروا في ابتكار عمليات نصب أكثر إبداعا وأن يجددوا ويقاوموا الملل والتكرار حتى لو لم يكن الضحايا يحتاجون هذه المهارات الفائقة.. لأن استمرار الحال على ما هو عليه ينذر بهبوط مستوى النصب والاحتيال في ديارنا.. وكل نصبة وأنتم بخير.