عشنا، الأسبوع الماضي، أسبوع المرور الخليجي، وكالعادة إحصائيات مذهلة عن عدد الحوادث والوفيات البشرية، فقد ذكرت الشؤون الصحية بمنطقة الرياض بأن عدد الوفيات في المملكة حوالي 20 حالة يوميا، وهذا الرقم للحالات التي تتوفى في موقع الحادث فقط، أما الحالات التي تتوفى بعد أيام من وقوع الحادث فربما تفوق هذا العدد بكثير، ناهيك عن ذوي الاحتياجات الخاصة الذين تتغير حياتهم بالكامل أو يحتاجون لعلاج مدى الحياة، وأخيرا الخسائر المادية التي يفقدها الوطن، كل هذه الأرقام التي تتكرر سنويا لم تحرك بنا ساكنا. نحن ندرك أننا نلتزم أكثر من غيرنا عندما نسافر خارج مملكتنا، بل عندما نسافر إلى دولة البحرين جارتنا التي لا تفصلنا عنها سوى 30 دقيقة، أول ما نصل إلى الطرف الآخر من جسر الملك فهد نلتزم بالسرعة المحددة والإشارات وحزام الأمان، وكذلك الحال عندما نسافر إلى جارتنا دولة الإمارات العربية المتحدة نلتزم بجميع التعليمات المرورية. إذا أين الخلل؟ هل هو في الأشخاص؟ أم في النظام؟ أم في تطبيق النظام؟ أعتقد بأن الخلل يكمن في تطبيق العقوبات الرادعة، الأنظمة موجودة ولكن لم تفعل كما يجب، لقد حان الوقت لمراجعة جميع الأنظمة والعقوبات المرورية، وأن تكون العقوبات كفيلة بردع الجميع وأن يحسب لها كل مواطن ومقيم ألف حساب، وإلا لن نستطيع أن نحمي أرواح وممتلكات فلذات أكبادنا ومواطنينا والمقيمين على أرض هذا الوطن. الأمر لا يحتاج إلى معجزات، فهناك دول سبقتنا بخبراتها وتجاربها، ونجحت في الحد من التهور والهدر نتيجة الحوادث المرورية، فلماذا لا يستعان بتجربة دولة الإمارات في تطبق نظامها المروري كما هو؟ وذلك لتشابهها معنا في التركيبة السكانية، ووجود عدد كبير من العمالة على أراضيها، خصوصا أننا منذ عدة سنوات ونحن نشارك معا دول مجلس التعاون الخليجي في أسبوع المرور، ولكن تأثيره علينا ما زال محدودا للغاية. لا شك بأن هناك جهودا لإدارة المرور منذ سنين للحد من الحوادث التي أصبحت تحصد الآلاف سنويا، ولكنها غير كافية، والسبب معروف للجميع، وهو عدم وجود العقوبات الشديدة والتساهل في تطبيقها، إما لعدم الالتزام بها أو لقلة الموارد البشرية والآليات أو كليهما معا. ثقافة المجتمع مضروبة فيما يخص قيادة السيارات والالتزام بالأنظمة المرورية؛ لذا فهو يحتاج إلى تعامل مختلف لكي نحمي المتهورين أولا ونحمي الأشخاص الملتزمين بالأنظمة من أذاهم ثانيا، ولكن من المؤسف أن من يتقيد بالنظام يجد أن الكل يتجاوزه من اليمين واليسار، وبالتالي يضطر إلى الدخول في عالم الفوضى وعدم الالتزام. هناك قوانين صارمة تطبق في أغلب دول العالم تساهم إلى حد كبير في الالتزام بالأنظمة المرورية واحترام الآخرين، ومنها نظام النقاط الخصم المباشر من الراتب وسحب الرخصة وغيرها كثير، إضافة التعهد على الشركات بأن تكون مسؤولة بالكامل عن أية موظف أو عامل يخالف القوانين، مما اضطرت بعض الشركات إلى إنشاء وحدة داخل الشركة للتوعية بتطبيق الأنظمة المرورية، مما نتج عنه الحد من الحوادث المرورية للمنتسبين في هذه الشركات، ويمكن الاستفادة من هذه الممارسات المتميزة بإعطاء نقاط في نظام نطاقات المطبق من قبل وزارة العمل. إعادة تطبيق النظام الشامل المعمول به في السابق، والذي يعطي الصلاحيات لجميع القطاعات العسكرية حق معاقبة المخالف، ربما حان الوقت لدراسة النظام وتطبيقه، ليس على قطاع وزارة الداخلية فحسب، بل يجب أن تشارك جميع القطاعات العسكرية الأخرى؛ كالحرس الوطني ووزارة الدفاع، وهذا إن طبق لا شك بأنه سوف يساهم في الحد من حوادث التجاوزات التي يرتكبها البعض. لقد فقدت أعز شخصين في حياتي في حوادث مرورية، فلقد فقدت والدي الغالي ثم بعدها بسنوات فقدت أعز إخواني رحمهم الله، وغيري كثير ممن فجع بفقيد أو ذي احتياجات خاصة، وربما لا يوجد بيت بيننا إلا وقد فقد عزيزا جراء الحوادث المرورية. حاولنا منذ عدة سنين الحد من الحوادث عن طريق التوعية والإرشادات والحملات والمعارض المرورية ولم ننجح!! حاولنا في تطبيق العقوبات ولم ننجح!! إذا ما هو الحل؟ وأين الخلل؟ الحل الوحيد باعتقادي هو تطبيق العقوبات الصارمة وإلا لن يقف هذا النزيف.