هذه المقالة مثل المعشوقة ينبغي الا تقرأ بالعين فقط بل بكل الحواس.. لوحة فنية عمرها اكثر من ثمانين عاما أو أكثر.. نشرت بكل اللغات وما زالت شبكات التواصل الاجتماعي «الرصينة» تتداولها بذكاء.. رسالة عبارة عن لمسة حزن وحنان صاغها أب لابنه على مهل.. نوتة جميلة وممتلئة بالكثير من فنون التعامل مع الصغار.. عطرت يومي فأحببت أن أشارككم الرحيق.. لم أغير فيها الكثير فقط طليت بعض عباراتها باللون الأبيض من أجل المزيد من الضوء.. اقرأها فقد تدفعك ان تركض هذا الصباح نحو ابنك وتضمه الى صدرك وتعيش معه أبهى لحظة حب وتنحت نورا في داخله.. تقول الرسالة «اصغ إلي يا بني، إنني أتحدث إليك الآن، وانت مستغرق في النوم، ويدك الصغيرة موضوعة تحت خدك، وخصلات شعرك تتهدل على جبينك الذي بلله العرق، لقد تسللت الى حجرتك وحيدا، بعد ان استولت علي وانا جالس في مكتبي قبل لحظات قليلة اقرأ صحيفتي المفضلة موجة طاغية من الألم والحزن ووخز الضمير واللوم، وها أنا أحضر الى سريرك تجرني قدماي وقلبي يغوص بين أضلعي وجدار بأكمله يتهاوى على رأسي كل ذلك نتيجة ما اقترفته اليوم من تصرفات غبية تجاهك.. لقد غضبت منك وقرعتك تقريعا قاسيا وأنت ترتدي ملابسك لتذهب للمدرسة لأنك لم تقم بتنظيف أسنانك كما يجب، وتابعت توجيه اللوم لك لعدم تلميع حذائك بالشكل المطلوب، ونهرتك في غضب حينما القيت بحقيبتك المدرسية على الأرض، واثناء الإفطار اخذت افتش عن العيوب فيك وذكرت لك كيف تأكل بشراهة بعيدا عن الإتيكيت وان العصير لا يسكب في الكاس على عجل.. وعندما هممت بالخروج الى المدرسة حيث الباص كان في انتظارك استدرت نحوي ولوحت بيديك الصغيرة مودعا.. وقلت لي ودعا يا أبي إلا ان حمقي تمادى لاجيبك وعبوس قبيح على وجهي، ارفع كتفيك وسر معتدلا، وأكملت ايذائي لك كحيوان مسعور.. فبينما كنت عائدا إلى البيت وجدتك في الطريق راكعا على ركبتيك تلعب ولمحت ثقوبا في جوربك فقللت من شأنك امام رفاقك ودفعتك أمامي باتجاه المنزل، وقلت لك ان هذه الجوارب تكلفني أموالا، تصور يا بني أن ينحصر تفكير أب في قيمة الجوارب.. وتذكرت أيضا أنني بينما كنت أطالع صحيفتي في المكتب اذا بك تدلف إلى الحجرة وكلك وجل وارتباك وخوف وقد بدت في عينيك نظرات حزن كثيفة.. حينها تطلعت اليك من فوق صحيفتي باستعلاء وقد نفد صبري لمقاطعتك اياي القراءة ونهرتك بعد ان طال وقوفك وسألتك ماذا تريد ؟ ولكنك لم تجب بل اندفعت إلى صدري والقيت بذراعيك الصغيرتين وطوقت عنقي وقبلتني وقلت لي احبك يا أبي قلتها بحب اودعه الله في قلبك الصغير الذي ظل ينمو ويزدهر بالحب رغم ما يعانيه من تعنيف واهمال وقسوة وانسحبت من الغرفة لتحتلني نوبة بكاء عنيفة.. انزلقت الصحيفة من يدي واخذت افكر في سلوكي المهين تجاهك وما فعلت بي عادتي القبيحة، عادة التماس الأخطاء في الغير، لكم هي عادة قبيحة فعلا اسقطت مني أعظم ما يجب ان يتحلى به كل أب تجاه ابنه حنانه وحبه وعطفه.. لقد كنت أقيسك بمقياسي أنا وأتجاهل أجمل ما فيك طفولتك.. لقد اتيت لجوار فراشك راكعا نادما خجولا تائبا.. لقد كنت أمارس تفكيرا ضعيفا باهتا تجاهك ولكن أوعدك من الغد ان أكون الأب الذي يفترض ان أكون عليه.. سأكون صديقك، اتألم لألمك، واضحك عندما تضحك.. وابتهج بتلوث ثيابك بالطين وسأعض على لساني عندما يشتعل بكلمة تجرح مشاعرك.. سأردد كثيرا إنك ما تزال طفلا وحتى تكبر.. وسأكبر معك على محبتك وسأصونك ما حييت.. سامحني يا بني لقد كنت أعاملك كرجل ولكنك في الحقيقة كما أراك الآن وانت منطو في فراشك وقد بدا عليك التعب ما تزال طفلا.. نعم لقد طلبت منك الكثير.. وأكثر كثيرا مما تستطيع فاغفر لي»، انتهى.