إن المتأمل في المواطن التي ذكر فيها القرآن الكريم (أم القرى) تصريحا أو تلميحا يجد عجبا! فمعظم هذه المواطن اقترن فيها ذكر أم القرى بالقرآن الكريم! ففي سورة الأنعام يقول سبحانه: ((وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها)) [الأنعام:92]. وفي سورة الشورى يقول جل من قائل: ((وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها )) [الشورى:7]. وفي سورة النمل يقول تعالى مخبرا رسوله وآمرا له أن يقول: ((إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين * وأن أتلو القرآن)) [النمل:92،91]. وهذه البلدة هي مكةالمكرمة التي صارت حراما بحرمة الله إلى قيام الساعة. ولا عجب في هذا الاقتران، فهذه الأرض الطيبة هي التي شهدت مبدأ تنزل الوحي، حين غط جبريل عليه السلام نبينا صلى الله عليه وسلم في غار حراء، وبلغه أول الوحي: ((اقرأ باسم ربك الذي خلق)). وهذه الأرض الطيبة هي التي شهدت كذلك مختتم الوحي المكمل لأصول الدين وكلياته، فعلى أرض عرفة تنزل قوله تعالى: ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا))، وهو من أواخر مانزل. وما بين البدء والختام شهدت مكة نزول معظم سور القرآن وآياته، ذلك أن اثنتين وثمانين سورة من أصل مئة وأربع عشرة سورة هي مكية باتفاق، كما أن قرابة ثلثي آيات القرآن هي من المكي، فهنيئا لأم القرى البلدة التي شهدت أوائل الوحي وأواخره؟ ثم كانت بين ذلك متنزل أكثره؟ بل هنيئا للمملكة العربية السعودية، هذه الدولة التي جعلت القرآن دستورها، وسعت لخدمته، من خلال طباعته وتوزيعه وتفسيره، وتيسير أسباب تعلمه وحفظه، أنشأت المؤسسات، وفتحت الجمعيات، ودعمت المشاريع، وأنفقت الأموال، كل ذلك خدمة لهذا الكتاب العزيز، فقد سجل التاريخ كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حيث قال في أول خطاب له: «لن نحيد أبدا، فدستورنا هو كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.. (*) مدير جامعة أم القرى.