قد يفهم البعض بأن مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد تخلص من عبء تحمل مسؤولياته الإقليمية والقومية تجاه اليمن بتحويل ملفاته الملتهبة لمجلس الأمن الدولي مشفوعة بطلب إصدار بيان ضمن الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، مع احتفاظه بحق دول المجلس في أن تتخذ الإجراءات التي تمكنها من الحفاظ على مصالحها الحيوية في أمن واستقرار اليمن.. ولكن المتتبع لمسار الأزمة بمختلف أبعادها منذ اندلاع الثورة اليمنية سنة 2011، يجد أن مجلس التعاون يحتل موقع الصدارة في مجمل الحلول المطروحة على الإقليمية والدولية بدءا من المبادرة لتهدئة النفوس وانتهاء بالقرارات الدولية الأربعة التي سعى لاستصدارها من مجلس الأمن في الشأن اليمني، علما بأن مجلس الأمن الدولي لم يصدر منذ إنشائه وحتى 2011 سوى قرارين خاصين باليمن أحدهما القرار (29) الذي يعترف بعضوية باكستان واليمن في الأممالمتحدة سنة 1947 والآخر هو القرار (243) الذي اعترف بجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية عضوا في الأممالمتحدة سنة 1967. أما القرارات الأربعة الأولى بشأن اليمن فقد صدرت كلها بالإجماع وكان أولها برقم (2014) وتاريخ 21 أكتوبر 2011 لتأييد المبادرة الخليجية في الانتقال السلمي للسلطة وثانيها برقم (2051) وتاريخ 12 يونيو 2012 وركز على المرحلة الثانية من المرحلة الانتقالية. ولكن القرار الثالث برقم (2140) فقد كان أهم وأقوى قرار أمكن لمجلس التعاون أن يستصدره من مجلس الأمن في سلسلة القرارات الدولية لأنه تحت الفصل السابع (الإجراءات في حالات: تهديد السلام وخرق السلام والأعمال العدوانية) وفي هذا القرار دعم قوي للخطوات اللاحقة من التحول السياسي بناء على المبادرة الخليجية، ونتائج الحوار الوطني الذي أقرته كافة القوى السياسية اليمنية، مع فرض عقوبات على بعض من وصفوا بمهددي السلم والأمن والاستقرار في اليمن. ولكن قبل الحديث عن القرار الرابع أشير إلى ما يعرفه الجميع من أن جماعة الحوثي المتمردة منذ ما يزيد على 10 سنوات في اليمن والتي تتخذ من صعدة شمال غرب اليمن مقرا لها بدأت بالتغلغل بين الجماهير التي تحتل الشوارع والميادين في المدن اليمنية الكبرى وشكلت اللجان الثورية والقيادات الميدانية تمهيدا للتحرك العسكري الذي يبدو أنه حظي بتعاطف كبير من المكون الزيدي من اليمنيين خوفا على مراكزهم القيادية التي بنيت عبر أجيال خاصة في الأقاليم الشمالية، ليتمكن الحوثيون من التقدم عسكريا واحتلال معظم المدن والمحافظات اليمنية الشمالية من دون مقاومة عسكرية رسمية ولا حتى شعبية تذكر. ولكن ما لم يكن في الحسبان هو أنه مع تقدم الحوثيين دخل مبعوث الأممالمتحدة (جمال بن عمر ) على خط المفاوضات وتمكن من الهيمنة عليها بالتدريج حتى بدا الدور الخليجي هامشيا. وكان ابن عمر يطبق سياسة غريبة أشبه ما تكون بقفزات الضفدع، فكلما أنهى الحوثي مرحلة من مراحل السيطرة الميدانية يظهر ابن عمر ويعطيها الشرعية ويقفز للأمام وكأنما ما حدث كان طبيعيا بما في ذلك أسر الرئيس الانتقالي المنتخب وحل البرلمان وتشكيل مجلس رئاسي تحت إمرة أحد مساعدي عبدالملك الحوثي، فقد استمر ابن عمر في محاولاته لإيجاد حل متجاهلا وجود رئيس اليمن المنتخب ورئيس وزرائه وأعضاء حكومته رهن الإقامة الجبرية وهو ما أثار العديد من الانتقادات المحلية والدولية لهذا الدور الذي لا يعقل أن يقوم به مبعوث دولي. وهنا تضطر دول الخليج للعودة لمجلس الأمن لاستصدار قرار يدين بشدة الانقلاب ويحمل الحوثي أسباب فشل العملية السياسية في اليمن لتفاجأ بأن روسيا التي سبق أن وافقت على القرار 2140 تستخدم حقها في النقض وتجهض القرار الجديد وذلك ما دفع بدول الخليج إلى جانب دول أخرى إلى سحب سفرائها من اليمن والطلب من مجلس الأمن أن يتحمل مسؤولياته. والآن، وبعد تبني مجلس الأمن الدولي للقرار الرابع رقم (2109) وتاريخ 15 فبراير 2015 بصيغته المعدلة بالإجماع بإدانة استيلاء الحوثيين على السلطة في اليمن ومطالبتهم بالانسحاب من مؤسسات الدولة ومنحهم مهلة 15 يوما للامتثال، تقف الأزمة اليمنية على مفترق طرق خطير للغاية فإما أن يمتثل الحوثي أو تفقد روسيا حجتها في حمايته ويمكن لمجلس الأمن العودة للقرار (2140). أما دول مجلس التعاون فقد أحسنت صنعا باللجوء لجامعة الدول العربية لتعزز موقفها الإقليمي وربما لتشكيل تحالف عسكري عربي موسع لمساندة قرارات مجلس الأمن المتوقعة لاحقا بالتدخل في اليمن. وهي بهذا الموقف الذكي تمنع أي تدخل إقليمي منفرد لأي دولة إقليمية أو عظمى في فرض حل في اليمن وتضمن المساندة الدولية لمشروعية تدخلها للحفاظ على مصالحها في اليمن إن لزم الأمر..