كفني يا شمس مني هيكلا كفنيه هيكلا محترقا وادفنيه جانب النهر فقد يتلقى الصبح غصنا مورقا «الحجي» تداعيات لا شيء سوى رمل «مرات» الأقارب وضعوا آخر حجر على القبر ومضوا ... وها أنت وحيدا كما أنت منذ عشرين عاما تقبض في لحظات الصحو القليلة على بيت أردف في الذاكرة ثم ينتابك النسيان. تعصر جبهتك في يديك حتى تنفر عروق أصابعك، ولا تقدر أن تتذكر اسم صديق وكيف تستطيع وقد غادرك الأصدقاء ولم تلمس يداك وردة أو غصنا. أنت الراحل بين مشفى وتعب.. والساقط بين فصامك الوهمي وفصامنا الحقيقي.. كيف لي يا حمد أن أتذكر.. صيف 1401ه المبنى المغبر في ظاهر الطائف له أكثر من اسم ولكن الاسم الذي ظل في ذاكرة الطفولة من حكايات الناس هو «شهار»! المبنى يأخذ اسم الحي ليتنكر في فسحة أمام مدخل العنبر «13» التقينا وجلسنا إلى تعبك أنت الذي تبحث عن «السجائر» والأصدقاء القدامى، ونحن الذين نبحث عنك، موجات من الصمت تخيم عليك وتنتهي كل موجة بأن ترفع عينيك إلينا وتقول: أريد أن أخرج من هنا. كنت تذوي تحت دورة العلاج المكثف وكانت الجدران غبشا في عينيك. والماء مالح، أي قبو هذا الذي تسمع نزلاءه يطلبون الشمس، وأي كتل تلك التي تتدافع عند النوم لتحتل أرضية العنبر الصغير. وأنت.. أنت بينهما بسهرك الطويل تصعد إلى «مرات» عشر مرات في الليلة، لتبحث عن خطى طفولتك في أحوشتها وأزقتها تمشي أيها «الشاعر الجريح». لتمشي معك ظلال أمس تبحث عن باب يفتح وتطل جدائل أعطتك من جمرة الشعر تسأل نفسك في منعطف عن اسم ضائع وتستعيد بيتا هنا وطفولة هناك.. شجرة تذكرك بضحكة، وجدارا يذكرك بصديق، شارعا يعيدك خمسة وعشرين عاما إلى أصابعك، ويعيد أصابعك إلى الشعر.. هذا رمل لا يزال منه في ثيابك ريح.. وهذه نخلة تجر حزنك إلى خيمة الحبيبة فتصرخ: تجن علي بالغ في التجني فمن ألم الجوى استمديت فني وأسمعني كلامك إن روحي يمور بساحها صوت المغني لا نهر هنا ولا شيء سوى رمل «مرات» وآخر صيفها الحفيف ها الأقارب وضعوا آخر ضمة على القبر ومضوا.. ها الأصدقاء يقولون: استراح! بعضهم كلما رأى صورتك في الجريدة، أو خبرا عن اسم المشفى الذي نزلته مؤخرا أشاح بوجهه وكأنه لا يراك.. صرخت منذ سنوات: أين أنتم أيها الأصدقاء القدامى ومر بعضهم خفافا إلا من دعاء ومر بعضهم خفافا إلا من وردة