مفهوم الشاب قرين بالعقلية الشابة ومتلازم بالحضور الفعال والنشيط، والحركة الشبابية النافذة تعطي صورة ناصعة عن مدى ديناميكية المجتمع وتفاعله وإنتاجه، وأهم مداميك تلك الديناميكية هي العمق الثقافي الأصيل الممزوج بنكهة العصر، والتي تنتج وعيا يستحق أن يتولى زمام الأمور، فالأمم بدون شبابها هي أمم تشيخ باكرا وتموت بمرضها. سوق عكاظ يمثل حالة متفردة في الجمع الثقافي بين الأصالة والمعاصرة ضمن القيم العربية النبيلة والراسخة التي ترى في الأدب والشعر والفن قيم إنسانية راقية تسمو بها الشعوب وتتفاعل؛ لذا كان وما زال هذا المهرجان محل عناية كريمة من قبل صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز، تكريسا لما عهدناه منه من رعاية للشباب وعناية بالثقافة والأدب العربي الأصيل، فسوق عكاظ حكاية تاريخية كتب لها البقاء لتنير جيلا عقب جيل وتساهم من خلال فعالياتها وبرامجها بتثقيف الأجيال، وترسل ضوءا يجذب إليها كل من يتوق إلى تاريخه وأدبه ويبحث عن جذوره الضاربة في صلب التاريخ. من جانبه، أوضح أمين سوق عكاظ الدكتور جريدي المنصوري أن سوق عكاظ يمثل واحدا من مصانع الرجال على مستوى التشغيل والعمل، حيث تعرض أمام الشباب فرص المشاركة في قطاعات مختلفة مع شرائح متنوعة، وفي ظروف نوعية يحاول المجتمع فيها أن يقدم ذاته بطريقة من شانها أن تعطي صياغة جديدة للمنتج المعرفي من خلال متحقق فعلي على مستوى الفعل، ومن خلال المناشط الموجودة في السوق، تحديدا الثقافي والفني والحرفي، حيث يعمل الشباب ضمن القوالب الاجتماعية، وتدلف به إلى تقديم منتج يشعر معه بالرضا عن النفس والحصول على كم معرفي وتطوير ذاتي وتقدير معنوي ومادي، فضلا عن شعوره أنه عضو فاعل ومشارك، وعكاظ بوصفه سوقا يجعل هؤلاء الشباب عمالا بالمعنى الإيجابي وفاعلين بالمعنى الذي يؤكد مشاركتهم في صناعة القرار وتنفيذه، كما أن طلاب الجامعة والتعليم العام وشرائح من الراغبين في المشاركة يجدون فرصا ذهبية في سوق عكاظ، ويجدون أنفسهم في أعمالهم ومنتجاتهم من خلال الأدوار الحقيقية التي يقومون بها، ومن بينها المشاركة على خشبة المسرح خلال مسرحية عكاظ، حيث يتوازى الفن ويتقاطع مع الواقع. وزاد أمين السوق متأملا أن السوق ينتظر من الشباب أن يحملوا رأي عكاظ، ويكونوا أوفياء لأجدادهم، بدءا من طرفة بن العبد مرورا بزهير وأصحاب الصناعات والمهن. جيل التعالق ويرى شاعر شباب عكاظ علي الدندن أن سوق عكاظ يمثل علامة بارزة وقيمة وجدانية في الثقافة العربية بما تحمله المفردة من شحنات داخلية تمارس على المخيلة عملها وسحرها، وبما تمثله هالة المكان من قيمة رمزية تستدعي معها مزيجا من الروائح والأطياف القادمة عبر التاريخ في عناق مع اللحظة التاريخية برؤية مغايرة عن أسلاف الشعر ومنبثقة عنها ومتكاملة معها من جهة أخرى، وإن كان الولد سر أبيه كما تقول العرب فإن سوق عكاظ بحلته الحالية هو الاستمرارية الوفية لسوق عكاظ التاريخي، يشي بذلك احتفاء أمانة السوق بالفنون الضوئية والبصرية والموسيقية والمسرحية جنبا إلى جنب مع الشعر، الذي تصب فيه كل الأنهار والنهيرات المعرفية والجمالية الأخرى. وعن هموم شباب جيله، يضيف الشاعر الدندن أن هموم الإنسان وأسئلته وقضاياه تحمل صيغة كونية شاملة، وأنا مؤمن بوحدة التجربة الإنسانية، فجيلي يمتلك في جعبته موهبة التعالق مع القضايا الفكرية الكبرى، من خلال الانفتاح البكر على الفضاء الإلكتروني وحركة الترجمة والفنون أسعى لكتابة قصيدة تلامس من العمق جوهر الوجود الإنساني، وأراهن على شاعرية المناطق المعتمة والمجهولة، كما يملؤني الأمل والتفاؤل أن أوفق في تقديم مقاربة تمس استشراف البشر للعالم، سواء كانوا من المجايلين لي أو من أجيال أخرى، وأن أغامر في استكشاف أسرار الشعر واكتناه خباياه إلى أقصى ما يمكن أن تلامسه أيدي المغايرة. إبراز المواهب المصور الفوتوغرافي سلطان بن صالح العماش يرى أن سوق عكاظ يتميز بالمساحة المخصصة للعرض وفتح مجال للمصورين المحترفين من الشباب لإبراز مواهبهم الفنية والابداعية، خصوصا أن مجال التصوير لا يقل أهمية في نقل الصورة التاريخية إلى الأجيال، وكأنك تمسك بالأشياء، من ثم تشكل قصة بين يديك من خلال المشاهد، وهذا ما يمنحه (الفوتوغرافي) للآخرين، بالتالي نستطيع القول إن المصور باستطاعته تغيير نمط المعيشة ومشاهدة الماضي أمام عينيه. إرث ثقافي فيما يقول الشاب والأديب السينمائي وائل يوسف إن مهرجان سوق عكاظ قبل أن يكون مهما لتسويق الشاب والفنان السعودي، هو مهم لتسويق الإرث الثقافي والتاريخي للجزيرة العربية التي طغى عليها البترول كصبغة عالمية، مضيفا أن أرضنا مليئة بالشخصيات التاريخية من عشاق وشعراء وفرسان وقصص زاخرة، ومع الأسف أصبحت مادة ثرية يستخدمها الفن السوري والمصري ولا يقدمها أبناء الجزيرة، وأنا كفنان انتظر من سوق عكاظ إقامة مهرجان سينمائي للأفلام الدارمية الجادة والوثائقية ورصد جائزة تشجيعية لها، فالتجربة المسرحية تجربة مهمة وجبارة، والمسرح السعودي رائد ومنافس عالميا، كما أن صعوبتنا الوحيدة تكمن في عدم وجود كلية فنون جميلة تخرج تخصصات فنية من تمثيل وإخراج ومسرح بكافة التخصصات الفنية. حاضنة الشباب ويعبر المستشار الأسري بغرف الجراحات سالم الفريدي عن أننا حين نسمع كلمة سوق عكاظ يجول في عقولنا دائما ذلك السوق الذي كان منذ وقت طويل يسوق للشعراء والمفكرين، أما الآن فسوق عكاظ بحلته المتميزة يعرف المجتمع على المثقف السعودي بما وصل إليه من علم ومعرفة وأدب، وهذا نوع من التسويق الذي يحبذه الشباب، والشباب السعودي أصبح يهتم بتطوير ذاته، ما انعكس وأصبح معروفا عنه بصقور الابتكار، كما أن السوق يعد فرصة قوية للتعلم من تجارب الآخرين والاستفادة منها، ومن ثم تطويرها حتى تظهر بحلة جديدة وطريقة ليس لها مثيل، وليس بغريب على سوق عكاظ باحتضان الشباب المبدعين وبتميزه تميزنا معه والموسم القادم سوف أشارك في شاعر سوق عكاظ بثلاث قصائد شعرية أتمنى أن أوفق بها. صناعة المشهد بدوره، يوضح الشاب والكاتب هيثم السيد أن فكرة عكاظ في أساسها تقوم على المشاركة بين جميع المستويات الثقافية والعمرية، كما أن إعادة إنتاج السوق في عصرنا الراهن هو تجسيد لمبدأ تواصل الأجيال وإعادة استلهام الماضي بروح الحاضر وعنفوانه الفتي، وهذا أمر يخص الفئة الشابة من المبدعين على نحو خاص، أما على مستوى التعريف بالمبدع السعودي، ولا أميل لمفردة التسويق، فلا شك أن السوق بما يمثله من حضور إعلامي ونخبوي هو مجال يمكن استثماره في إبراز المواهب واستعراض التجارب في بيئة أدبية خالصة، وهو أمر لا يمكن بحال من الأحوال أن لا نعتبره مفيدا. ويضيف السيد قائلا «دونما اتكاء على تعبيرات كلاسيكية من قبيل (الشباب عماد الأمة) وما شابه، أرى أن مسؤولية الشباب هي أن يصنعوا المشهد الثقافي الجديد من خلال الإضافة النوعية المنطلقة من معرفة حقيقية، ذهنية ناقدة، ومدارك حرة، تواكب حركة الحضارة وتستثمر معطياتها، وتنفتح على مختلف استحقاقاتها، من أجل بناء مفهوم فاعل وإيجابي يعيد تشكيل المشهد بدلا من الاكتفاء بالتماهي المجرد معه». وبين هيثم أن سوق عكاظ يعد فرصة قوية لتنمية وتطوير المهارات، مشيرا إلى أنه موسم ثقافي مهم ويقدم نماذج متنوعة في مجالات ثقافية واجتماعية وتنظيمية وغيرها، ولكنه ليس الفرصة الوحيدة بالطبع لاكتساب المهارة، فمعادلة التأثر الإبداعي والتطوير سواء في الأدب أو غيره عبرت حدود المناسبات الوقتية وخلعت جلباب الكثير من مسلماتها السابقة، مفضلة على ذلك الارتهان لمتغيرات الثقافة الراهنة ومعادلة التلقي الجديد. عروض فلكورية في حين أن الكاتب أسامة يوسف يؤكد على أن أهمية سوق عكاظ تكمن باحتوائه عروضا فلكلورية شعبية، وجادة تاريخية جاذبة، وقد يكون هذان العنصران فقط هما عوامل الجذب في السوق؛ لأن المحاضرات في الغالب لا تستهدف الشباب، ولا هم يهتمون بها العروض المسرحية أيضا جيدة، لكن الشارع السعودي يأمل ويتطلع إلى اهتمام أكبر بكل تطلعات واحتياجات الشباب الثقافية في سوق عكاظ، يجب أن يتجاوز ككل الفعاليات الثقافية مرحلة الانكفاء على النخبة والاهتمام بحضورهم، إلى جذب الشباب، ويجب أن نصل إلى مرحلة يذوب فيها المثقف في الشارع ننسى تماما فيها الفصل بين المثقف والعامي، يجب أن تسعى المؤسسات المدنية كافة إلى تعزيز دور الشباب لينهض بمسؤولياته، وتدعم المبادرات الشبابية نحو ثقافة المستقبل. ليست صدى ويضيف الشاعر الإعلامي محمد الفوز: نأمل أن لا تكون المهرجانات المحلية مجرد صدى لفكرة شخص أو نشاط من أجل النشاط، وسوق عكاظ حمل على عاتقه منذ البداية استلهاما تاريخيا وتساءل كيف سيحقق أبعادا مستقبلية، وعلينا أن نتطلع لمرايا ثلاثية الأبعاد كي نتصيد لفتاتنا بكل اتجاه، حاجتنا لنبش التجربة المحلية أكثر من الردح لاستعراض تجارب الآخرين، فلا يزال النص السعودي غائبا أو لم يحض بدراسات مستمرة ومواكبة لمسرة الجيل، بالإضافة إلى مسألة النشر والتوزيع، فهي تحتاج لدعم حقيقي من قبل الوزارة، نحن بحاجة لفتح فروع لدور النشر العالمية كنوع من الشراكة والانفتاح على الثقافة المحلية، ومهما يكن المثقف السعودي متجاوزا وعلى مستوى من الوعي، لكن تبقى ثقافتنا إلى حد ما فردانية ولا تشكل فروعا جماعية.