عتبي على الكثير من مشايخنا عدم التباسط مع الناس، وعدم رفع الكلفة بينهم، اعتقادا منهم أن هذا الأسلوب ينقص من مكانتهم، فأمعنوا بوضع الحواجز، مستخدمين أسلوب (التكشير) إن جاز التعبير، فقلما سمعت أو شاهدت شيخا منهم يعظ الناس والابتسامة ظاهرة على محياه، أما المزاح وجلب الطرفة أي النكتة فهي من وجهة نظرهم ضرب من السخافة. والتجهم الذي هو مرادف (للتشاؤم) قد أبطله الإسلام، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يحب (الفال الحسن) الذي هو مرادف لانشراح الصدور والإقبال على الحياة بمحبة. واستطيع أن استثني من ذلك مع حفظ الألقاب: عبدالله المطلق وسليمان علو وأحمد الغامدي وعادل الكلباني وعايض القرني، والأخير أعجبني عندما قرأت له وهو يقول مازحا: إن سبب هزيمة بعض الفرق الرياضية، أنهم لم يدعوني لإلقاء محاضرات، وعندما كانوا يدعونني كانوا ينتصرون، ولما توقفوا عن دعوتي عاقبهم الله بالهزائم. وكلنا يذكر ما قاله (المطلق) عندما رد بالتلفزيون على فتاة تتمنى الزواج (بالعريفي) لعلمه، فقال لها وهو يضحك: لماذا لا تتمنين الزواج (بالسدلان)، فهو أكثر وأغزر علما؟! وعلى كل من أراد أن يفهم فليفهم. أما رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في محافظة جدة، والشهادة لله أنني لم أره في أي مجلس إلا والبهجة تملأ جوانحه، ويباسط الجميع بدون تحفظ في حدود الأدب. وموجة التجهم هذه لم تطرأ على مجتمعنا إلا في العقود الثلاثة الأخيرة، وأذكر في طفولتي وصباي أن المشايخ كانوا أكثر سماحة ولا يتحرجون، وكأن الواحد منهم (زكرتي) يحبب الناس في تعاليم الإسلام البسيطة والخالية من التعقيد. وحتى قديما جدا، فكتب التراث مليئة بالنماذج المشرقة لبعض المشايخ (الفكهين)، ومن قراءتي المحدودة: فها هو العالم الجليل (الشعبي) سأله رجل عن المسح على اللحية، فقال له: خللها، فقال الرجل: أتخوف أن لا تبتل، فرد عليه وهو يتصنع الجد: إن تخوفت من ذلك، فإذا انقعها بالماء من أول الليل. وجاء أيضا رجل للشعبي يسأله: هل يجوز للمحرم أن يحك بدنه؟!، أجابه: نعم، وعاد يسأله: مقدار كم؟!، وأجابه: حتى يبدو العظم. وإليكم (أبا حنيفة) بمدى واقعيته وعدم تحرجه عندما قال: احتجت يوما إلى ماء بالبادية، فشاهدت أعرابيا ومعه قربة مملوءه، فأبى إلا أن يبيعني هي كاملة بخمسة دراهم، فدفعتها له وقبضت القربة، ثم قلت له: يا أعرابي، ما رأيك بالسويق؟!، ففرح وقال: هاته جزاك الله خيرا، فأعطيته سويقا ملتوتا بالزيت، فجعل يأكل منه حتى امتلأ بطنه، عندها أصابه عطش شديد، فطلب مني قليلا من الماء لكي يشربه، فقلت له: لا بأس ولكن بخمسة دراهم، فدفع لي ما كنت قد دفعتها له، فخرجنا هكذا متعادلين لي القربة كاملة، وله السويق الذي أكله وفوقها شربة ماء. الرسول عليه الصلاة والسلام كان يضحك ويتباسط مع صحابته، ويتسابق جريا مع زوجته، فكم هم عدد المشايخ عندنا الذين يتسابقون اليوم مع زوجاتهم؟! هل (للبطنه) يا ترى دور سلبي بذلك وأنا لا أعلم؟!.