منذ أسبوعين كنت في الولاياتالمتحدة أحضر تخرج ابني حين لفت نظري وجه السيدة الأولى ميشيل أوباما يكاد يتفتق غضباً على صدر الصحف الأميركية، في صورة التقطت لها وهي تجلس بجانب رئيس الولاياتالمتحدة وهو يضحك مع رئيسة وزراء الدنمارك الشقراء التي وجدها تجلس جانبه في حفلة تأبين نلسون مانديلا، فنسي نفسه وراح يضحك ويتباسط، لكنه في صورة أخرى يعود إلى رشده ويظهر متجهماً وكأنه تلقى لكزة من زوجته، فاعتدل وخيّم التجهم على الجميع. لكن صورتهما (الرئيس وزوجته) ذهبت مثلاً بين الناس على سوء تصرف الرئيس، وأن زوجة الرئيس مثل كل نساء الأرض تغار ولو من وزيرة. هل هذا ما كانت تحاول أن تقوله الصحف؟ هل هي مجرد غيرة زوجة انكشف ضعفها، أم أنها كانت تريد أن تحرج الرئيس وتؤدبه وتجعله يتذكر أنها دائماً له بالمرصاد؟ لكن زلة أوباما عدّت على خير، فهي لم تتجاوز كونها غيرة زوجة وتصرفاً غير لائق من رئيس، لكن وقعة رئيس فرنسا كانت أشد مضاضة، فهذا الرئيس الذي خرج يقول إنه يريد أن يكون شخصاً عادياً، ورفض المبالغة والبذخ في قصر الإليزيه، أسرف على ما يبدو في عاديته، فصار عادياً أكثر من اللزوم، ونسي نفسه ووقع في جريمة خيانة مع ممثلة مشهورة بروزتها مجلة فرنسية في شكل فضيحة، فخرجت افتتاحيات الصحف الفرنسية والأوروبية في اليوم الثاني تناقش هذه القضية المصيبة، بعضها هدده بسوء المنقلب والمصير وأن شعبيته بسبب هذه الفضيحة بلغت أدنى درجاتها، وبعضها تساءل هل هي زلة شخصية أم سياسية أم أخلاقية؟ لن تجد أحداً يتعاطف مع الرئيس الخائن، بل ستجد من يستغل ما حدث للإيقاع به، لأن ما وقع خطأ مبين. إحدى الصحف الفرنسية قالت إن الفرنسيين اعتقدوا أن الرئيس مأخوذ بمهماته ويكرس كل وقته لإصلاح شؤون البلاد، فإذا بهم يكتشفون أن الرئيس يجد الوقت لمغازلة ممثلة، أما الصحف الإيطالية فشمتت بهم قائلة: «ليس هذا جديداً على رؤساء فرنسا»... لن يجرؤ أحد على الوقوف مع رئيس يخون في علاقة شخصية، من مبدأ أن من يخون قيم الولاء والإخلاص والنزاهة مع زوجته وأهله فإنه سيخون وطنه والناس، فبالنهاية الأخلاق والسلوكيات لا تتجزأ، لا تستطيع أن تكون تقياً في الصباح وفاجراً في الليل، ولا صادقاً في الظهر مخادعاً في المساء. هذه الصراحة هي التي ستنقذ هذه المجتمعات، لأنها لا تنافق ولا تسمح للأقوياء فيها أن يكونوا فوق البشر وفوق القانون حين يكذبون أو حين يخونون، حتى ولو تعاطفت مع ضعف الشخص وغضبت لاختراق خصوصيته، لكنها لا تجرؤ على الوقوف في صف الخائن غير المخلص لأنه قوي. هذا يذكرني بما حدث منذ يومين عندنا، حين قام واعظ وشيخ وإمام مسجد دأب على مهاجمة قنوات «أم بي سي» واتهامها بالتهتك والفجور، وإذا بنا نجد أن مذيعتين جميلتين تنشران في موقعها على الآنستغرام صورة هدية تلقتاها من الشيخ الرقيق، عليها كلام لين من المحبة وتمني الخير، وفي صندوق من الديباج يحوي كتابين له وقنينة عطر باذخة، لقد وضح أن الشيخ يهاجم القناة في العلن ويتهمها بالتهتك والفجور ويغازل مذيعاتها في الخفاء، وهو من شن حرباً من القذف في الأعراض لأن عدداً من المثقفين جلسوا مع عدد من المثقفات في وضح النهار وتحت أضواء الكاميرات في بهو الفندق الذي ينعقد فيه المؤتمر، وعد ما حدث فضيحة أخلاقية أسماها فضيحة «بهو ماريوت»، وشنع فيها وكاد لمن يناصر هؤلاء المثقفات المنحلات. الغريب أن ثقافة الدفاع عن الملتحين من المشاهير خرجت تقول إن ما حدث حدث من باب «تهادوا تحابوا»، في الحقيقة هذا «اللي إحنا خايفين منه»، من «تحابوا» هذه التي لا تجد طريقاً لها إلا في الخفاء، فما قام به أوباما وهولاند أيضاً جاء من باب «تحابوا» في الخفاء، لكنه وجد الفرنسيين يقولون له: «عيب يا ريّس!». جريمة الفرد قابلة للتطهر فكل الناس خطاؤون، لكن جريمة الثقافة لعنة كبيرة، فهي التي تلقن الناس التواطؤ مع الأخطاء والانتصار للقوي أو النجم أو السياسي طالما يمتلك القوة والمال والسطوة، ولن تهدي المجتمع إلا مزيداً من الضلال. [email protected]