حفظ من الآن فصاعدا، سوف نسمع من حماس وقياداتها نفس الكلام القديم الذي فقد معناه لتناقضه مع الواقع الذي يعرفه جميع الناس في الساحة الفلسطينية، وهو الكلام عن اختلاف البرامج تبريرا للانقسام الذي وقع منذ أكثر من سبع سنوات، ويتضح أن أهل الانقسام وصانعيه عاجزون تماما عن الخروج من حفرته، وكلما امتدت لهم يد الشرعية الفلسطينية لتنقذهم من حفرة الانقسام أخذوا يصرخون تماما كمن تعود أن يعيش في كهف مظلم لفترة طويلة، فحين نخرجه من العتمة إلى ضوء النهار تؤلمه عيناه فيصرخ بأنه يفضل الظلام. حديث الانقسام يتواصل تحت عناوين زائفة مثل ادعاء برنامج المقاومة والمفاوضات، وكأن المفاوضات التي أجرتها حماس في الماضي لا يعلمها الناس، وهي اليوم مستمرة بأشكال أخرى، وهي مفاوضات وصلت إلى حد القبول بالدولة ذات الحدود المؤقتة، وبأن يخرج قطاع غزة من فضائه الفلسطيني ومساره الفلسطيني ويقذف به في صحراء سيناء، وأن يكون قطاع غزة هو الدولة الفلسطينية، المهم أن لا يتقدم المشروع الوطني الفلسطيني الذي ينضوي تحت لوائه الكل الفلسطيني باستثناء حماس. يتباكون هذه الأيام على الكفاح المسلح، مع أن القاصي والداني والجميع يعرفون أنهم ظلوا على امتداد اثنين وعشرين سنة خارج الثورة الفلسطينية المعاصرة، وخارج الكفاح المسلح الفلسطيني في أعظم أطواره، ولم يكن لهم عمل سوى مهاجمة الكفاح المسلح واعتباره غير شرعي. في العلاقة الوطنية مع حماس، فإن المصالحة لم تتحقق ولا للحظة واحدة، بل إنه في الذكرى السابعة والعشرين للانتفاضة الأولى التي كان من بين نتائجها المبهرة السقوط النهائي للإنكار الصهيوني لوجود الشعب الفلسطيني، استطعنا من خلال نتائج الانتفاضة أن نجبر إسرائيل على توقيع اتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وكانت الانتفاضة قد أسقطت كل المحاولات الخبيثة لضرب وحدة التمثيل وهي المحاولات التي تورط فيها كثيرون وعلى رأسهم حماس، التي لم ينجح الكل الوطني طيلة سنوات الانتفاضة أن تنضوي حماس تحت لواء القيادة الموحدة للانتفاضة بل ظلت نشازا يجدف ضد التيار الوطني الرئيسي الذي يريد الاستقلال والدولة المستقلة. وحماس لا زالت ترفض اليد الوطنية التي امتدت لها، ومستمرة في لعب الدور السلبي لصالح جهات لا علاقة لها بالشعب الفلسطيني وقضيته، إنها عمليا تعود إلى حظيرة الانقسام الأسود من جديد.