أتابع منذ شهور اليوميات المكية التي سجلها المربي الكبير الشيخ أحمد علي الكاظمي رحمه الله واستطاعت دارة الملك عبدالعزيز الحصول عليها وقام بإعدادها للنشر الصحفي في جريدة مكةالمكرمة معالي الدكتور فهد بن عبدالله السمارى، فأجد في كل حلقة من تلك المذكرات صورا حية لما كانت عليه الأمور الاجتماعية والإدارية والمالية والحضرية في أم القرى، وكل ذلك يتم بأسلوب سهل خفيف لطيف، لذلك فإن الشيخ الكاظمي يعتبر شاهدا على العصر لاسيما أنه كان مساعدا لمدير مدرسة الأمراء تحت إدارة الشيخ عبدالله عبدالغني خياط في الفترة من 1357 1373ه حيث تخرج من تلك المدرسة عدد من أبناء الملك عبدالعزيز وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وفي إحدى حلقات مذكرات الشيخ الكاظمي استرعى انتباهي معلومة كانت جديدة بالنسبة لي تخص الشيخ المربي الشهير عمر عبدالجبار رحمه الله الذي يعتبر أول من أسس مدارس خاصة لتعليم البنات في المملكة في حي الزاهر بمكةالمكرمة وقد سبق هذا المربي عصره لأنه جعل مدارسه من الروضة حتى الثانوية وألف لها مناهج مناسبة فأقبلت على مدارسه بنات الأسر المكية حيث لم يكن في ذلك العهد مدارس حكومية أو خاصة لتعليم البنات بل مجرد «كتاتيب» تسمى بأسماء النساء القائمات عليها ويطلق على الواحدة منهن لقب «فقيهة» فيقال هذا «كتاب» الفقيهة عائشة أو عيشة حسب النطق المكي لهذا الاسم وذاك كتاب الفقيهة فاطمة.. وهكذا دواليك. أما المعلومة الجديدة بالنسبة لي فهي أن الشيخ الكاظمي أشار في مذكراته إلى أن الشيخ عمر عبد الجبار كان في عهد الشريف حسين يعمل في السلك العسكري وقد ترقى إلى درجة ضابط، وبعد زوال الحكومة الهاشمية غادر مكةالمكرمة ضمن من غادروها إلى العديد من بلاد الدنيا فاختار هو بلاد الجاوا أي إندونيسيا وكان المكيون يسمون كل من يأتي من دول جنوب شرق آسيا «جاوا»، حتى لو قدم من تايلند أو الفلبين أو أي جزيرة إندونيسية مع أن جاوا هو اسم لجزيرة كبرى في إندونيسيا التي تحتضن آلاف الجزر غير جاوا ولكن المكيين كانوا ومازال بعضهم يسمى أهل تلك البلاد «جاوا»، وذكر الشيخ الكاظمي أن الضابط السابق عمر عبد الجبار لما استقر به المقام في «جاوا» تزوج من أهلها وأنجب وفتح عدة مدارس لتعليم اللغة العربية ونشط في تأليف الكتب المدرسية وأجاد اللغة الملاوية، ولما عاد إلى مسقط رأسه مكةالمكرمة عين مديرا لمدرسة تحضير البعثات التي يصبح خريجها مؤهلا للحصول على بعثة للخارج ومنها تخرج كبار رجال الدولة من وزراء ومسؤولين وقادة إداريين وماليين ثم عين مديرا لشرطة «حماية الأخلاق» ولم أجد تفسيرا لمجالات عمل هذه الإدارة الأمنية وهل هي نوع مما يعرف في بعض البلدان باسم «بوليس الآداب» أم أنها نسخة مطورة لهيئة الأمر بالمعروف لم يقدر لها أن تواصل تطورها فتوقف نموها ونمت بدلا عنها الهيئة وما أدراك ما الهيئة؟!. وأخيرا أقول لصديقي البرفسور حسان صلاح عمر عبد الجبار أستاذ أمراض النساء والولادة والكاتب العكاظي إن من حقك أن تفخر بجدك لأبيك لأنه رجل سبق عصره في أكثر من مجال وسجل اسمه في سجل الخالدين من أبناء أم القرى رحمه الله رحمة واسعة.