هذه الأيام تذكرنا بالأيام التي سبقت اندلاع الانتفاضة الثانية، من حيث التوتر والغضب، مع فارق كبير في النسبة لصالح هذه الفترة. بعد قمة كامب ديفيد في يوليو 2000 بين الرئيس ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك، بحضور الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون، وبسبب غباء باراك الذي أراد تمرير تسوية لا تتناسب مع الحد الأدنى للإجماع الوطني الفلسطيني، انتهت القمة إلى الفشل، وسادت بعدها حالة من الإحباط والتوتر، حتى جاءت زيارة شارون للأقصى التي فجرت الموقف وقادت إلى اندلاع الانتفاضة بعد ثلاثة شهور على كامب ديفيد، وسرعان ما انزلقنا نحو استخدام السلاح والتفجيرات وحالة الفوضى العارمة التي أفقدتنا كل شيء، وأعادتنا إلى الوراء عقودا، وخلقت الظروف التي أدت إلى سيطرة حماس على غزة بقوة السلاح، والانقسام الذي لا نزال نعاني منه، والذي على ما يبدو سيرافقنا لفترة طويلة قادمة. وبعد فشل العملية السياسية ووصولها إلى طريق مسدود، وخصوصا بسبب تملص حكومة نتنياهو من التزامها بالإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى، واستمرار سياسة الاستيطان والاعتداء على المواطنين والأراضي وحرق المساجد، وعمليات تهويد القدس والاستفزازات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، عدنا إلى حالة الاحتقان والتوتر من جديد، لكن بصورة أكثر شدة، وحصلت صدامات وقتل، وربما كانت عملية قتل وحرق الطفل محمد أبو خضير أبشعها، حتى وصلنا إلى عملية الكنيس اليهودي في القدس التي ربما تؤشر لمرحلة جديدة من المواجهة قد تقود إلى عودة الفوضى. واليوم، يبدو أننا نعود إلى نفس المربع، مع فارق في الحدة والشدة والتجربة، وفي موقف السلطة التي كانت في عام 2000 تؤيد بطريقة أو أخرى الانتفاضة وبعض أعمال العنف، بينما هي اليوم تقف ضد استخدام السلاح بصورة واضحة وقاطعة. لا شك أن الفلسطينيين يجمعون على مقاومة الاحتلال والتصدي لسياساته، ولكنهم يختلفون على نوع المقاومة وعلى أمور أخرى مثل الزمان والمكان. فالرئيس أبو مازن وغالبية القيادات يؤيدون المقاومة السلمية التي تنسجم مع النضال السياسي والدبلوماسي لتجنيد المجتمع الدولي ضد الاحتلال والحصول على الاعتراف الذي يمهد لضغط دولي يجبر إسرائيل على الانسحاب والتسليم بالمطالب الفلسطينية. وهناك بالمقابل حماس التي تريد خلق حالة من الفوضى في الضفة تؤدي إلى انهيار السلطة، وخدمة مصالحها بالسيطرة على الوضع، بحيث لا يختلف وضع الضفة عن غزة. الوضع على شفا الانفجار، ويحتاج إلى نقاش وحوار داخلي معمق وصريح حول الأهداف التي نريد تحقيقها والسبل الكفيلة بتحقيقها: هل نريد فقدان السيطرة؟ هل نريد مقاومة محسوبة؟ هل نريد دعم المجتمع الدولي والتأثير عليه أم أننا يئسنا من كل شيء؟ علينا أن نقرر برنامجنا وخطتنا للمستقبل القريب والبعيد، وليس انتظار ما يمكن أن تقودنا إليه الأحداث، وهنا يمكن أن تحدد مصيرنا مجموعة صغيرة هنا وهناك. لأننا لو تركنا الأمور على عواهنها سنجد أنفسنا في الوضع الذي كنا فيه في الانتفاضة الثانية التي بدأت بمقاومة ضد الاحتلال، وانتهت بفوضى وسيطرة أصحاب المصالح والأجندات التي لا علاقة لها بتحرير الوطن على المجتمع وابتزازه لصالح جهات بعينها وجيوب بعينها، بعيدا عن الأهداف الوطنية المعروفة والمتفق عليها. الفرصة لا تزال أمامنا حتى لا نفقد السيطرة ونبكي على الماضي ونترحم على ما كان لدينا، تماما كما صحونا بعد أن سرقنا السكين في الانتفاضة الثانية، ووجدنا أنفسنا أمام أجندة «حماس» من جهة، وأجندة العصابات من جهة أخرى، بعدما فقدنا خيرة شبابنا، وضاع الحلم وكانت خسارتنا فادحة. هذه دعوة لكي نفيق ونحسب خطواتنا ولا تجرنا مشاعرنا وانفعالاتنا.