أصدر الأزهر الشريف بيانا رسميا، أمس الجمعة، حمل عنوان «بيان للناس» أعلن فيه رفضه لكل دعوات التظاهر ونشر الفتن والمشاركة في مظاهرات رفع المصاحف وما أطلقت عليه الجبهة السلفية «الثورة الإسلامية المسلحة». وقال الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في بيانه الذي أصدره أمس الجمعة، في خضم هذه الأحداث التاريخية التي تحيط بنا وبالإسلام، وفي ظل فتن يتولى كبرها أناس تخصصوا في الاتجار بالدين، وتفننوا في تمزيق الأمة شيعا وأحزابا باسم الشريعة المظلومة أحيانا، أو التوحيد المفترى عليه أحيانا، أو الإسلام الذي شوهوه أحيانا أخرى، وفي ضوء ما أعلنه هؤلاء من الدعوة إلى رفع المصاحف في الثامن والعشرين من هذا الشهر. وأضاف الأزهر: نؤكد أولا: أن هذه الدعوة ليست إلا إحياء لفتنة كانت أول وأقوى فتنة قصمت ظهر أمة الإسلام ومزقتها، وما زالت آثارها حتى اليوم؛ «الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها»، والسعيد كما جاء في سنن أبي داود من جنب الفتنة التي لا تصب إلا في مصلحة أعداء الأمة، ويكون الدين فيها لغير الله. ففي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه أنه أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير، فقالا: «إن الناس ضيعوا وأنت ابن عمر، وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعني أن الله حرم دم أخي، فقالا: ألم يقل الله: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) [الأنفال: 39] فقال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة، وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله». وأكد الأزهر الشريف أن هذه الدعوة ليست إلا اتجارا بالدين وإمعانا في خداع المسلمين باسم الشريعة وباسم الدين، فهي دعوة إلى الفوضى والهرج، ودعوة إلى تدنيس المصحف، ودعوة إلى إراقة الدماء، قائمة على الخداع والكذب، وهو ما حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أربعة عشر قرنا. فقد روى أحمد وابن حبان في صحيحه وابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بين يدي الساعة الهرج»، قالوا: وما الهرج؟ قال: «القتل»، هذا نفس ما يدعو إليه هؤلاء. وأضاف: وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل، ولا يدري المقتول على أي شيء قتل»، وهذا هو فعل الخوارج، والخوارج كما قال صلى الله عليه وسلم هم «كلاب أهل النار»؛ رواه أحمد وابن ماجه. وأوضح الأزهر الشريف أن هذه دعوة إلى جهنم، ودعاتها دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، وقد بينهم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عندما سأله الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان عن الشر مخافة أن يدركه فقال صلى الله عليه وسلم : «نعم؛ دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله، صفهم لنا؟ قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم». وأشار إلى أن هذه الدعوة في الوقت الذي تقود فيه مصر حربا حقيقية في مواجهة إرهاب أسود في سيناء من جماعات مدعومة بالسلاح والتمويل والمعلومات، لهي خيانة للدين والوطن والشعب. وشدد الأزهر الشريف على أن هذه الجماعات بما لها من أسماء وألقاب وشعارات وممارسات سبق وقد بينها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذرنا منها؛ ففي رواية نعيم بن حماد عن علي بن أبي طالب أنه قال: «إذا رأيتم الرايات السود فالزموا الأرض»، وقد طالعتنا وما زالت وسائل الإعلام المختلفة بهذه الرايات السود نراها كل يوم، ثم ذكر علي في نفس الرواية من أوصافهم أنهم «لا يفون بعهد ولا ميثاق، يدعون إلى الحق وليسوا من أهله، أسماؤهم الكنى» من مثل: أبي البراء أو أبي إسحاق، وأبي يعقوب وأبي يحيى... وهكذا، ثم قال رضي الله عنه: «ونسبتهم القرى، وشعورهم مرخاة كشعور النساء»، وهذا ما يراه الناس في وسائل الإعلام اليوم، وفي سند أبي داود والمستدرك على الصحيحين ومسند أحمد عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القيل، ويسيئون الفعل، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون حتى يرتد على فوقه، هم شر الخلق والخليقة»... الحديث. وأكد الأزهر الشريف أن مثل هذه الجماعات بمفارقتها للسواد الأعظم من الأمة، ومحاربتها للدولة، وخيانتها للوطن، قد حكمت على نفسها بحكم الله ورسوله؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجه: «إن أمتي لن تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم». وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه: «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه».