من المؤكد أن رجل الدين المتشدد طاهر القادري الذي حاول مع صديقه عمران خان اختطاف الاحتفال بذكرى الاستقلال في باكستان في 14 أغسطس الماضي، عندما أطلق اعتصامه تحت مسمى «المسيرة الانقلابية» في إسلام آباد أمام مبنى البرلمان قبل 70 يوما، للمطالبة باستقالة رئيس الوزراء نواز شريف، قد فشل فشلا ذريعا، حيث اضطر القادري البارحة لمغادرة موقع الاعتصام بخفي حنين مع ما تبقى من مؤيديه، تاركا وراءه مخلفات الاعتصام، معلنا خسارته في المسيرة بعد أن رفض الشعب الغوغائية وقرر دعم الشرعية. وليس هناك أدنى شك أن اعتصام القادري الذي توفى واحتجاج خان الذي يحتضر، أديا لحدوث حالة عدم الاستقرار في محيط العاصمة في ذروة الاعتصام، إلا أن السلطات الأمنية تعاملت بضبط النفس وبهدوء حيث لم يلق أي شخص مصرعه رغم حدوث اشتباكات عنيفة بين قوات الشرطة وأنصار القادري وخان بعد أن أصر مؤيدوهما على الدخول إلى مقر البرلمان ورئاسة الوزراء واقتحام مبنى التلفزيون الرسمي قسرا. رئيس الوزرء الباكستاني نواز شريف تعامل بحكمة وعقلانية مع أزمة الاعتصام، حيث وافق على معظم الشروط التي طرحها القادري وخان، وطالبهما بعدم استخدام العنف وخلخلة الأمن الداخلي، إلا أنهما رفضا ذلك، وأصرا أن يقدم شريف استقالته لإنهاء الاعتصام، فرمى البرلمان ثقله وراء شريف وأعلن دعمه لشرعيته. ولا يمكن تجاهل دور المؤسسة العسكرية بقيادة الجنرال راهيل شريف الذي تعامل مع الأزمة بحنكة وعدم التدخل في السياسة، وأثبت أن الجيش حامي للديمقراطية والشرعية وضرورة دعم تطلعات الشعب الذي صوت لحكومة شريف عبر صناديق الاقتراع لكي يتعزز الحكم الديمقراطي وإرساء القانون وهيبة الدولة. لقد انكشفت أوراق خان والقادري، حيث أكدت الأوساط الباكستانية أنهما حظيا بدعم من جهات أجنبية ويعملان لإحداث حالة عدم استقرار في باكستان، خاصة القادري الذي يرأس حركة منهاج القرآن ذات التوجهات المريبة المنتشرة في بريطانيا ويعمل وفق أجندة إيرانية ولديه توجهات داعمة للحركات الشيعية في الداخل الباكستاني، وقام بزيارة طهران قبيل بدء الاعتصام. لقد فشل القادري في إطلاق ثورته الشعبية لأنه أعتقد أنه يستطيع تحويل مقر الاعتصام في المنطقة الحمراء بقلب إسلام آباد لميدان التحرير في القاهرة، وافتقد للتأييد داخل الشارع الباكستاني، كما أنه فقد مصداقيته بكثرة وعوده التي لم يحقق منها شيئا، وغياب الأفق السياسي والبرنامج الحقيقي للإصلاح، لهذا بقيت ثورته فقط ثورة شعارات أطلقها في خطاباته لكنها لم تعبر عن مشروع ثورة حقيقية يستطيع من خلالها استمالة الشعب خاصة أن الباكستانيين راهنوا على حكمة شريف «الرئيس التنفيذي» لإخراج باكستان من الأزمة السياسية وتحقيق رفاهية الشعب والعمل على تعزيز الأمن والاستقرار وإحداث التوافق السياسي في الداخل والاستمرار في ضرب الإرهاب في وزيرستان، وحنكة الجنرال راهيل شريف في الحفاظ على الديمقراطية وحماية باكستان من الأخطار الخارجية ولجم الإرهاب.