إسلام آباد التي زرتها قبل أيام لم تكن نفسها العاصمة الهادئة التي ظللت أزورها منذ سنوات إذ تحولت العاصمة الخضراء إلى ثكنة عسكرية وتم إغلاقها بالكامل بسبب المسيرات الاحتجاجية التي نظمها عمران خان رئيس حزب الإنصاف ورجل الدين المتشدد طاهر القادري، مطالبين برحيل رئيس الوزراء الباكستاني من منصبه. لم أكن أتوقع أن أكون في قلب عاصفة الأزمة السياسية في باكستان الحالية، حيث إن زيارتي للعاصمة إسلام آباد كانت «ترانزيت» للعودة للمملكة مع أسرتي، إلا أن الظروف الأمنية وإغلاق العاصمة نتيجة دخول أنصار عمران خان والقادري إليها للاعتصام، أدى إلى تواجدي بها لفترة أطول، حيث اضطررت للمكوث في فندق ساريينا القريب جدا من موقع اعتصام مؤيدي خان لمدة ثلاثة أيام حتى تمكنت من مغادرتها من مقر رئاسة الوزراء عبر طائرة هليكوبتر أمر بها رئيس الوزراء نواز شريف للتوجه جوا إلى المطار. المشهد السياسي بدأ متوترا في العاصمة منذ الثالث عشر من الشهر الحالي، إذ بدأت العاصمة الخضراء الجميلة تبدو قاتمة مع تزايد قوات الشرطة والأمن وانضمام القوات شبه العسكرية لها في اليوم الرابع عشر من أغسطس وهو عيد الاستقلال الباكستاني، ونفس اليوم الذي قرر فيه خان والقادري المضي في ما سمي بالمسيرة الحرة الاحتجاجية والمسيرة الانقلابية ضد نواز شريف، حيث وصل التصعيد إلى مستوى عال مع رفض خان والقادري عرض شريف المتكرر لإجراء المحادثات لحل أزمة إعادة فرز الانتخابات في عدد من مراكز الاقتراع والتي يزعم خان أنه تم تزويرها خلال الانتخابات التي عقدت في مايو العام الماضي، وحقق فيها شريف فوزا كاسحا، مع دخول الاحتجاجات المناهضة للحكومة في العاصمة لليوم الرابع واستمرار مطالبات خان لاعب الكريكت السابق والقادري الذي يدير شبكة من المدارس والجمعيات الإسلامية ولديه ميول للمرجعيات الشيعية، رئيس الوزراء للاستقالة من منصبه. الدعوات للاحتشاد في العاصمة استمرت حيث زعم خان والقادري أن عدد مناصريهما وصل إلى مليون شخص، فيما أكدت مصادر مستقلة أن الأعداد المشاركة في الاحتجاج أقل مما كان يأمل خان والقادري حيث وصل عدد مؤيديهما إلى 30 ألفا فقط، احتلوا عددا من الشوارع الرئيسية في إسلام آباد خصوصا مع تفرق جزء من المتظاهرين للاحتماء من قيظ الظهيرة وتمضية الكثير منهم الليل في منازل أصدقاء لهم في المدينة عوضا عن تمضيته في العراء. ورغم أن الحكومة شكلت لجانا للتفاوض مع زعماء الاحتجاج، إلا أن القادري وخان رفضا الحديث معها مما أدى إلى فشلها وبالتالي انسداد أفق الحل بسبب عناد وتصلب قادة الاحتجاجات التي أثارت العديد من المخاوف بشأن احتمالية تدخل الجيش والسيطرة على مقاليد الحكم المدني، حيث انتهت الفترة السابقة لشريف كرئيس للوزراء بانقلاب عام 1999، إلا أن ذلك لم يحدث، بل إن الحكومة نفسها طلبت تنفيذ المادة 245 من الدستور الباكستاني الذي يقضي باستلام الجيش للعاصمة في حالة تدهور الوضع الأمني ودخول المحتجين إلى ميدان «دي جوك» والذي يقع أمام مقر البرلمان وبالقرب من مقر الرئاسة ومقر المحكمة العليا ورئاسة الوزراء والوزارات ومقر السفارات الأجنبية وهي المنطقة التي يطلق عليها «ريدزون» أي المنطقة الحمراء والتي تمكن مؤيدي خان والقادري من دخولها أمس الأول بعد أن طلب شريف من قوات الأمن والشرطة عدم استخدام القوة وعدم المساس بالمتظاهرين، كون المتظاهرين اصطحبوا معهم النساء والأطفال، بعد أن سلمت الحكومة المنطقة الحمراء بالكامل للجيش الذي انتشر في المقار الرسمية بعد أن عقد شريف اجتماعا هاما مع رئيس أركان الجيش الجنرال راحيل شريف بحثا خلاله تطورات الأزمة السياسية الناجمة عن احتجاجات حزبي حركة الإنصاف والحركة الشعبية في إسلام آباد. ومن الواضح أن قرار الحكومة تسليم المنطقة الحمراء للجيش كان لتأمين المنطقة الحمراء باعتبارها عصب صناعة القرار وفي نفس الوقت حرصها على عدم إراقة الدماء ويقينها أن الجيش سيؤدي مهامه للحفاظ على أمن المنطقة الحساسة. وقوبل تعنت خان بعدم الحوار مع الحكومة بانتقادات شديدة من مختلف الأحزاب السياسية الكبري خاصة حزب الشعب الباكستاني وحزب المهاجرين المتحد، خاصة عندما دعا مؤيديه إلى «العصيان المدني» وعدم دفع الضرائب أو فواتير المرافق، هذه الدعوة التي قوبلت بسخرية واسعة في مختلف الشرائح الباكستانية وهو ما دفع كثيرا من الصحف إلى نشر مقالات افتتاحية تنتقد خان والقادري على تغيير مواقفهما وتصريحاتهما. وبلغت الأزمة السياسية ذروتها عندما أعلن خان عقب دخوله المنطقة الحمراء إعطاء مهلة 24 ساعة لتقديم شريف استقالته وإلا فإنه سيقتحم مقر رئاسة الوزراء، وتحذيرات القادري بضرورة تقديم شريف وشقيقه شهباز استقالتهما، إلا أن رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف قال في تصريحات ل«عكاظ»، إنه لن يقدم استقالته، مجددا دعوته للحوار مع القادري وخان لحل القضايا الخلافية. وأوضح شريف، أنه يستمد شرعيته من الشعب الذي اختاره عبر صناديق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة شهدها العالم. الأزمة السياسية في إسلام آباد مستمرة ومرشحة للتصعيد أكثر مع استمرار الاعتصام في المنطقة الحمراء والذي سيؤدي إلى حدوث شلل في صناعة القرار باعتبار أن المنطقة تعتبر حيوية.. وغدا نستكمل تداعيات الأزمة على الداخل الباكستاني وخيارات الجيش الباكستاني ومواقف قادة الاحتجاج.