قبل عدة سنوات فجر الكاتب عبدالله بن بخيت قنبلة مدوية بالمقاييس السعودية ضد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك في برنامج (إضاءات) الشهير الذي كان يقدمه الزميل تركي الدخيل، حين قال بأن هذا الجهاز لا يخضع لمقاييس طبيعية في توظيف المنتسبين إليه أي أنه لا يوظفهم حسب الشهادة أو الطول والوزن والمواصفات الجسمانية بل يوظفهم بناء على انتمائهم الفكري، فمن لا ينتمي لهذه الأيدلوجيا الفكرية لا يمكن توظيفه وهذا لا يصح في أي وظيفة حكومية. وبالطبع قامت الدنيا ولم تقعد ضد ابن بخيت وانهمر طوفان الشتائم عليه من كل حدب وصوب لمجرد أنه أبدى وجهة نظره ولا أستبعد أن الزميل تركي الدخيل قد طاله شيء من هذا الهجوم الشرس لمجرد أنه أتاح الفرصة لابن بخيت كي يبدي وجهة النظر هذه، وقد تم نفي تهمة (الأدلجة) جملة وتفصيلا من قبل أنصار الهيئة واعتبروا ذلك افتراء مكشوفا من ابن بخيت. واليوم ها نحن نشاهد دلائل هذه الأدلجة التي تحدث عنها ابن بخيت تتجسد في الهجوم المتواصل على معالي رئيس الهيئات شخصيا، حيث يهاجمه بعض مرؤوسيه علنا ويتحينون الفرص لإسقاطه لمجرد أنه يحاول إنقاذ هذا الجهاز الحكومي من براثن الأيدلوجيا ويخضعه لمسطرة القانون والنظام، ولو لم تكن الأيدلوجيا المتشددة قد عششت في كل أروقة هذا الجهاز لما وجدنا هذه المواجهات شبه اليومية مع الرئيس ومحاولة إحراجه بصورة مستمرة من خلال عدم الانصياع لتعليماته التي يحاول من خلالها إعادة بناء الثقة بين أعضاء الهيئة والمجتمع، بحيث تكون العلاقة بين أعضاء الهيئة والمواطنين متكافئة فكلهم سعوديون وكلهم مسلمون وجميعهم لهم حقوق وعليهم واجبات. وقبل يومين فقط قام موظف في الهيئة بمهاجمة الرئيس بألفاظ غير لائقة في المسجد ورغم محاولة الرئيس نقل النقاش المتوتر إلى مكتبه احتراما لمكان العبادة إلا أن هذا الموظف لم يتوقف عن الهجوم حتى تدخل رجال الأمن، وبالطبع تم حشد الأنصار لهذا الموظف في مواقع التواصل الاجتماعي رغم إدراك الجميع أن هذا السلوك غير مقبول وظيفيا في أي جهاز حكومي ولكنها الأيدلوجيا التي تسير اللعبة منذ عقود وليست القواعد الوظيفية المتعارف عليها في كل مكان. ولا يخفى على أحد أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمؤسسة إدارية شكل غير مسبوق وقد مرت بمراحل عديدة وتطورت وتوسعت بفضل الدعم السخي لها، وهي اليوم تواجه تحديات كبيرة فرضتها تغيرات العصر، لذلك فإن نجاحها أو فشلها في السعودية ينعكس بالضرورة على صورتها في العالم أجمع، لذلك فإن محاولات الحرس القديم عرقلة جهود رئيسها سوف تؤدي إلى عرقلة تطورها وإعاقة قدرتها الحقيقية على أداء مهمتها الدينية والوطنية، ومتى ما انتصرت الأيدلوجيا على القواعد الإدارية المتعارف عليها فإن الضرر الأكبر سوف يصيب الهيئة وليس المجتمع الذي تعود على هذه الأضرار المؤدلجة منذ زمن بعيد!.